Topics

قاموس النيران

لقد خلق الله تعالى جهنم وهي تستعر بمحيطات من النيران، وتضج بالحيات والتنانين، والأفاعي والثعابين، وفيها أودية مملوءة بالبراكين المتفجرة، فطعامها الزقوم، وشرابها الذي يتدفق من أمعائهم وأوردتهم وشرايينهم إنما هو صديد أو ماء كالمهل يشوي الوجوه، ويقول الوعاظ:  ((يا أيها الناس اتقوا ربكم وإن لم تتقوه عاقبكم بما لم يمكن مجرد تصوره يسحق العظام ويذيب البدن، وإذا هاجمتكم الثعابين بلسعاتها خسف بكم في قعر النار الحامية، ثم تخرجون منها وتعاد الكرة، وتسقون حميما تتدلى به الشفاه وتتهدل))

فهذه الكلمات تقع على مسامعنا كرصاص مذاب، والإنسان الهلوع إذا ألقى سمعه إلى هذه الألوان المخيفة من العذاب تمثل له ربه كذات مخيفة للغاية مرهوب منها، وهذا التصور يهوى به في هوة سحيقة من الذعر والخوف حيث لا يرى ربه إلا رمز للإرهاب والإخافة. 

فلماذا لا يقوم علماؤنا وحكماؤنا على المنابر والمنصات فيبينوا لنا صفات الله تعالى الجمالية الرحيمة وأنه هو الذي يرزقنا ونحن في بطون أمهاتنا، ويسوق السحاب من مكان بعيد ليمطر على أرضنا الهامدة فتتحول الأرض الهامدة ربيعاً جميلاً زاهرا في زينة العروس وبهجتها وأنه زين السماء الدنيا بمصابيح تنوّر نواظرنا وتسر سرائرنا، وأضفى على مشاعر الإنسان ألواناً من البهجة بإنبات الأزهار الباسمة من بطن الأرض، وسخر لخدمتنا طوابير مديدة من الأشجار الملتفة والمثقلة بالثمار، وجعل أوراق الأشجار تغني لنا لتطرب أرواحنا حينما تميس تلك الأوراق بفعل الرياح وجعل الرياح تعزف على الشجار، والأغصان تتراقص وكأن الطبيعة نفسها تهتز وتتبختر في نشوة عجيبة، والمطر كأنه عروس يعرق جبينها حياء، وكم بهجة في ظلمات الليل الماطرة وأنوار النهار الباهرة وكأن الشمس تغمض جفنيها حياء من المطر، ويا له من مطر، فالشمس التي مهمتها إحراق ما أتت عليه، تلين جلودها والجو يصبح مغسولاً والأشجار تكتسي حلة قشيبة. 

فالله تعالى قد قيض للإنسان من وسائل الحفاظ على الحياة ما لا يكاد يعده الإنسان، فإنك إذا غلبك التعب أنشدك الليل بترانيمه ليحلو لك النوم، وإذا أخذتك الهجعة أيقظك جيش النهار الباسل بقرع نوافذ ذهنك في هدوء وبطء صافيين. 

فيا حكماءنا:  ما لكم كيف تحكمون؟  أفلا تذكرون ذلك الرب عز وجل الذي ركب فينا جهازاً تشتغل كل أدواته وآلاته بدون حول منا ولا قوة، والذي دفق في شبكات العروق دماً يجلو البدن ونشطه، والذي جعل الدماغ محطة يبث منها نبأ استمرارية الحياة ويتحكم بها في الجهاز العصبي، ووفق الأمعاء لتحليل الأغذية ومعامل البدن، وجعل العيون ماكينة تسجيل للمشاهد الطبيعية. 

ويا علماءنا وأئمتنا:  لم تحصرون الله تعالى في ذات مهولة مخيفة ترتعد منها الفرائص وتنخلع لها القلوب، ويهتز كل عضو كالورق اليابس، والكل يعرف أن الخوف والروع وصفة مثالية للفصل والفراق، وإن الخوف يؤدي إلى الاختناق والاضطراب والقلق، ويقيم جداراً بين القلوب. 

ويا أكابري المدعين لمفاخر أسلافي:  إذا تأكدتم من أن والدكم شيء مخيف تلتهب نيرانه بوجودكم فهل تحبون الدنو إليه والاقتراب منه؟ 

فقانون العالم هو الحفاظ على المدنيين الأبرياء وولاة الأمر ليس أنهم يستحبون المدنيين الأبرياء فحسب بل يحبونهم أيضاً ويوفرون لهم ما يحفظ صحتهم ويسد حاجياتهم. 

ويا حكمائي:  لماذا لا ترشدون الحشود التابعة لكم السائرة وراءكم إلى إتباع القوانين الشرعية فإن شارع القوانين يحب من خضع له ولقوانينه، فمن تمتع بوسائل الله تعالى المنتشرة صبراً وشكرا رضي به الله تعالى ، ومبعث الرضا أن تلك الوسائل إنما خلقها الله تعالى له، فإنسان هذا العصر مثلا إذا امتنع من ارتداء الأقمشة الحديثة واستبدال بها الملابس الخشنة لساهم في إقفال آلاف المصانع المنتجة للقماش، وتجويع ملايين العاملين في تلك المصانع، يعني إذا تجنب الإنسان الاستفادة من وسائل الراحة والرفاهية قعد في الفقر والبؤس، ومن مفاهيم الشكر أن يستخدم الإنسان آلاء الله تعالى، ومن مفاهيم الصبر أن يرضى العبد بما قسمه له ربه عز وجل.  وإذا كفر العبد بنعمة ربه ولم يتعلق بالصبر توطد في قلبه العكوف على الدنيا التي ليس لها بقاء، والله تعالى لا يحب من العبد أن يجعل الشيء الفاني غاية حياته، بل يحب الله تعالى منه أن يبحر في روضات نعمته ويبحث عن طريق الحياة الأبدية ويعتبر أسباب الحياة وأمتعتها كلها غبار ذلك الطريق وعجاجه.

فإذا أردت أن تكون سعيدا فعليك اتقاء الشر فالله تعالى يحب المتقين، وعليك الوفاء بحقوق الأقرباء والمساكين والضاربين في الأرض. وعليك تجنب الإسراف والتبذير ((إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا )) ((آية27 سورة الإسراء). وإذا كنت معدما يعوزك الإنفاق في سبيل الله تعالى فعليك أن ترد السائل بقول لين ولا تنهر،((وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ) (آية 29 سورة الإسراء).

وعليك الوفاء بالعهود والمواثيق فإن العهد كان مسئولا، وأوف الكيل والميزان ولا تكن من المطففين، فهذا الإيفاء خير يؤدي إلى الخير ((وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ،وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً )) (آية 36- 37 سورة الإسراء).

Topics


تجلیات

خواجۃ شمس الدين عظيمي

((( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ )))