Topics

تسخير الكون

لما أراد الله سبحانه وتعالى خلق الكون، دار النقاش حول نظام يتحكم في الكون لأن ركب الكون لا يتحرك ولو بوصة إلا إذا اقترن بنظام شامل أو قاعدة جامعة، فالقرآن الكريم يقول: (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ  )) (آية 82  سورة يس).

فالقرآن الكريم يتوجه بالناس إلى هذه الفكرة وهي أن تسيير الأنظمة إنما يتطلب المشتغلين والعاملين.

ونحن نشاهد أن الكون إنما هو مجموعة للقوانين الطبيعية المادية والكهربائية والمغناطيسية والعلمية وكذلك نعرف تماما أن القوانين تهيمن على المظاهر الطبيعية والمشاهد الكونية، فكل شيء في الكون مترابط ومتشابك بعضه ببعض بموجب نظام، فلا وحدة في الكون تنفصل عن وحدة أخرى.

وأن كافة المشاهد التي تعمل كأدوات كونية فالقرآن الكريم يعدها من آيات الله تعالى ويفرض على الكائنات البشرية، ولا سيما على أفرادها الواعين المستنيرين، أن يدرسوا المشاهد الأرضية والمظاهر السماوية بحذافيرها ويتفكروا في هذه الآيات ببالغ الفقه ومنتهى التعمق، فالله تعالى يريد من عباده ألا يبقوا متفرجين صامتين بل يستخدموا كفاءاتهم العقلية الموهوبة من أجل التدبر والتفكر، والنظر والاعتبار:(( قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ )) (آية 101 سورة يونس).

(( أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ )) (آية 6 سورة ق).

(( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )) (آية 24 سورة محمد).

(( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ )) (آية 50 سورة الأنعام).

(( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ )) (آية 22 سورة الأنفال).

(( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ))(آية 3-4 سورة الجاثية).

(( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )) (آية 5 سورة يونس).

فمن خلال آيات التذكير بمعالم الكون يتضح  كالشمس في رائعة النهار أن خالق الكون قد أمر الإنسان بإرخاء أزمة التفكير في قوانين خلق الكون بدقة واهتمام بالغين حتى تتبلور أمام عينيه صناعة كل شيء، والطالب الذي يخوض في صيغ الخلق وطرق التكوين إذا تسنم الذروة العليا من التدبر والتفكير تجلى له من العلوم ما ينتهي بما لا حد له، فعلم مثل هذا الطالب لا ينحصر في بطون الكتب ولا يحصي طوب البنايات جالسا على العتبة التي بناها الأسلاف، بل يتوصل ، عن طريق المشاهدة والتحليل وبمساعدة الفكر، إلى أن مزيج الغازات في الجو المحيط يضفي على الأرض حياتها، فتصبح مشاهدة ظاهرة الأمطار والرياح والكربون والأكسجين بالنسبة له شيئا عاديا، كما أنه يعرف أن حجم الكرة الأرضية إنما جعل في قدر معلوم وملائم، فلو طرأت على حجمها بعض الزيادة لازداد الثقل النوعي وأدى إلى انحسار الرياح (ثاني أكسيد الكربون) إلى سطح الأرض بدلا من انتشاره في الجو فيتعطل جهاز التنفس الإنساني، ولو طرأ عليه بعض النقص لأرتفع (الأكسجين) في الجو قاضيا على حياة كل متنفس.

وليس بعيدا عن المشاهدة أن مسافة الأرض من النيرين – هي الأخرى – قائمة على مقادير معلومة، فلو جعلت الأرض أبعد من الشمس لتجمدت الأرض ولما وجد على أديم الأرض سوى الكتل الجليدية الضخمة ولو جعلت الأرض أقرب منها لحولت حرارة الشمس المتوهجة كل المحاصيل رمادا، ولو أختلت المسافة بين الأرض والقمر لارتفعت موجات المد والجزر وابتلع البحر كل شيء يوجد على الأرض.

فالعبد المتدبر في الكون وطالب العلوم الروحية يقودهما التحليل والمشاهدة إلى أن يتعرفا على أن الشعور الأعمى ليس له ضلع في ترتيب عناصر الكون وتوازنها وترابطها وانتظامها وإفادتها وغايتها بل إن هناك قوة أو ذات يرقد على بنائه نظام الحياة والكون أزلا وأبدا، وأن كل هذه العناصر والمظاهر والمشاهد قائمة على مقادير معينة معلومة في غاية من التنسيق والترابط والحبك.

(( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ،الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ،والَّذِي قدر فَهَدَى )) (آيات 1-3 سورة الأعلى).

Topics


تجلیات

خواجۃ شمس الدين عظيمي

((( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ )))