Topics

الصراط المستقيم والمنهج القويم

لما أراد الله تعالى أن يجعل سيدنا آدم عليه السلام خليفته في الأرض، قالت الملائكة: ((أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء)) (آية 30 سورة البقرة)، ودلالة على أن الله تعالى أودع في سيدنا آدم عليه السلام غرائز الخير والفلاح أيضا إلى جانب الشر والفساد، علم سيدنا آدم عليه السلام صفاته الدالة على خلقيته، المعبر عنها((بالأسماء)) ولما عرضهم على الملائكة((قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) (آية 32سورة البقرة). 

والتفكير يؤدي بنا إلى أن الله تعالى قد رتب برنامج الأكوان على نمطي الخير والشر، ولذلك لم يعرج ربنا عز وجل على نفي ما أشارت الملائكة من الاعتراض، والمفروض في هذا أن سيدنا آدم عليه السلام بقي مجرد شر وفساد ما لم ينتقل إليه علم صفات الله تعالى، وتحول إلى خير محض وفلاح فور انتقال علم الخلائق إليه. 

وقبل سيدنا آدم عليه السلام فقد خلق الملائكة غير مودع فيهم غرائز الشر والفساد، فلذلك قام بخلق من يجمع بين غريزتي الخير والشر ليعكف على الخير ويصدف عن الشر، ويجعل نفسه على الخير –أي الصراط المستقيم- ويدعو غيره من الأخوة والأخوات إلى ذلك الخير، وهذه هي الدعوة التي بعث الله تعالى من أجل نشرها وتعميمها من الرسل والأنبياء عليهم السلام من بلغ عددهم (124000) وهذه الدعوة ما نسميها بالتبليغ. 

ولقد قال الله تعالى في محكم تنزيله:  ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) (آية 125 سورة النحل).

وهذه الآية إنما تتمخض عن ثلاثة خطوط إرشادية مبدئية:

1.       توجيه الدعوة بصفة حكيمة تفادياً للشر واستناداً إلى الخير.

2.       إلقاء النصيحة بحيث لا تجرح المشاعر وبحيث يكون الناصح طلقا بهيجا وتكون عيناه ممتلئتين عطفا ومودة، ويكون قلبه كهف الإخلاص.

3.       وإذا احتشد النقاش حول شيء فلا يخشوشن الصوت، إن لم تكن هناك مندوحة من النقد فليكن النقد بناءً ومعبراً عن الإخلاص والأخلاق وأسلوب التفهيم يجب أن يكون خلاباً لا يذكى في المخاطب التعنت والنفور والتزمت ومشاعر الجهل والاستفزاز، وإذا دام المخاطب على تصنته وتهكمه وجب الإقلاع عن مهمة الدعوة إذ ذاك وهو الخير. 

وأن نشر الدين دوماً سار على منهجين: 

منهج أن يتفاوض الإنسان مع مخاطبه حسب قدراته العقلية ويستميله إليه بحسن مبادرته، وتعهد ما يفتقر إليه، ويحل مشاكله كمشاكل نفسه.  

ومنهج آخر أن يقوم الإنسان بنقل أفكاره إلى غيره في حلة القراءة والخطابة، وهذا العصر الجديد إنما هو عصر المنهج الثاني، فلقد تقلصت المسافات وانحصر امتداد رقعة الأرض في الكرة الأرضية، والنسبة للانتقال السمعي فإن المسافة بين الولايات المتحدة الأميريكية وبين كراتشي هي أقل من مسافة غرفة واحدة، فنقل الرسالات من كراتشي إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو المملكة المتحدة قد أصبح ظاهرة روتينية تتكرر كل يوم، ونفس الشيء ينسحب على الكتابة فهناك حلقات من البث والإذاعة لا تكاد تنتهي، وإن كتابة مضروبة على الآلة في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في غيرها من الدول النائية، يمكن قراءتها في كراتشي أو إسلام آباد وكأن هذه الكتابة تجري في كراتشي أو إسلام آباد نفسها. 

والكتابة إنما تحدث في القارئ انطباعا يغرس في العقل بذور الفهم والإدراك التي تتحول شجرة ثابتة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ولا بد أن تمارس العدل في الكتابة والخطابة وأن تنتقي من الكلمات والأساليب ما يبعث في القراء أو المستمعين أمل من الآمال، ولا توقعهم في حفرة الخوف والقنوط فإن المغالاة في التخويف والإنذار ربما تجر إلى القنوط من رحمة الله تعالى واليأس من إصلاح النفس ومن اللجوء إلى طريق النجاة، وتقديم فكرة لحب الله تعالى لتمهد السبيل إلى احترام الله تعالى والتأدب معه بدلاً من خوفه والنفور منه حتى يلبي إلى رحمة الله تعالى ومغفرته بكل أدب واحترام، وان الذي يدعو إلى الله تعالى بحيث لا يقنط العبد من روح الله تعالى إذا عصاه ولا يأمن عذاب الله تعالى إذا أطاعه قد وصفه سيدنا علي كرم الله تعالى وجهه بخير العلماء.

وعليك أن تقوم بتبليغ الدين ونشر العلوم الإلهية ولو قليلا ولكن بصفة دائمة، وأن تدعو الناس إلى الاستفادة من الكفاءات الروحية، وأن تواجه كل ما يعرض لك في هذا السبيل من المتاعب والمصاعب، والقلاقل والنوازل، فقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام ((إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ)). 

 

Topics


تجلیات

خواجۃ شمس الدين عظيمي

((( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ )))