Topics

طراز الفكر

و يتأثر الطفل بعديد من أساليب العيش و الفكرة للبيئة التي يعيش فيها و بمن يتجاوره من الناس فإن كانت البيئة التي يعيش فيها الطفل صالحة يصبح صالحا و يكون فكره زكيا و يتعلم اللغة التي ينطق بها الناس و يتكلم ما يتكلم والداه و يختار ما يعتاد به والداه من العادات و الأخلاق فثبت هناك أن شخصية الطفل يتكون نصفها من الوالدين و نصفها الآخر يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها. وليس ذلك يقتصر على الفرد فحسب بل تشترك في ذلك الأقوام و الملل فإن كل ما قد مضى أو يجري الآن أو سيجري في المستقبل كل ذلك ما تتوارث به الأقوام و الملل من زمن إلى زمن آخر و ينتقل من فرد إلى فرد آخر.

                       

القانون :

ليس في الطفل شيء من العقل و الفهم عندما يتولد ولكن جزور الشعور تنشأ فيه من قبل و ذلك من خلال شعور والديه. لأن شعور الأم و الأب عندما يجتمعان يتكون شعور الطفل و يتضاعف هذا الشعور مع تغير الأوضاع و الأحوال دائما.

1.                   شعور الطفل + شعور الوالدين + شعور البيئة = شعور الفرد

2.                   شعور الأسلاف + شعور القوم = شعور آدم

و بما أن شعورنا يشمله شعور آدم عليه السلام و يترقى يوما فيوما من خلال الاجتماع بشعور البيئة و الأوضاع و كما هو القانون أنه لو اجتمع الشيئان يتكون الشيء الثالث تلقائيا. وعلى سبيل المثال إذا تُلقِي المشروبَ في الماء يتصف الماء بما يتصف به المشروب و إذا تنشأ فيه الحرارة التي تساوي حرارة النار فيتصف الماء بما تتصف به النار و إذا يتبرد الماء تبرد الثلج فيكون الماء متصفا بما يتصف به الثلج و يصبح كأنه ثلج. و طبقا لهذا القانون الجاري في جميع أفراد الكون اذا امتزج شعورا الوالدين ينشأ شعور الطفل.

 

"الارتقاء الإنساني عبارة عن انتقال الشعور المستمر"

كان الناس يسكنون في الكهوف في قديم الزمان ثم انتقلوا إلى زمان الأحجار وبعد ذلك انتقل إلى زمان استخدام المعادن وعلى هذا القياس أن ورثة آدم انتقلت إلى بنيه من الجيل البشري فإن آدم أخطأ ثم استغفر فبنوه أيضا أخطأوا واستغفرواو حتى أن هذا الطراز الفكري قد شاع كافة الجيل البشري.

و طبقا لفكرة اللون والنور أن الرؤية لها طرازان: الأول أن يرى الإنسان شيأ من خلال الواسطة والثاني أن يرى الشيء مباشرة من غير واسطة.

ما كان في الكون و مايكون فيه و ما سيكون فيه في المستقبل كل ذلك مسجل. فلو لم يكن مسجلا لم يشعر الإنسان بالجوع والعطش فإن العطش و الجوع إطلاع و إذا يشمله المعنى يكون طرازاً للفكر. و مثال ذلك سهل فإن رجلا قد لبس النظارة مثلا فما ينظر إليه يراه من خلال الزجاجة فإن كانت الزجاجة زرقاء اللون يرى الأشياء زرقاء و إن كانت الزجاجة حمراء اللون يرى الأشياء حمراء. والحقيقة أن الشي ليس أزرق ولا أحمر بل الواسطة تجعله أزرق أو احمر. ولكن الرجل الذي لم يلبس النظارة فيرى كل شيء من غير واسطة ولايحول لون الزجاجة في عينه وما ينظر إليه.

و هناك نوعان من أساليب الفكر أولهما ما يعمل من خلال الواسطة و ثانيهما ما يعمل مباشرة من غير واسطة. فمن يجعل طراز فكر من يختار الفكر المباشر واسطة لنفسه فينتقل إليه نفس طراز ذلك الفكر.

"طراز الفكر المباشر" هو الفكر الذي قام بنقله الأنبياء إلى أممهم و ذلك أن علاقتنا بالله تعالى ينبغي أن تكون أكيدة ولذلك قدموا للناس تصور الشر و الخير فإن لم يكن تصور الخير والشر فلا يبقى معنى العمل الصالح والشر.

و قد خلق الله تعالى الشيطان أيضا و لا يمكن لنا أن نقول أكثر من أن الشيطان هو مخلوق الله تعالى ولكنه  وصف الحياة المقبوح عند الله تعالى مع أن الإطاعة هي الوصف المحبوب لديه.

إذا كان طالب يريد أن يحصل على علوم الروح فلا يكون قدره أكثر من الطفل ولو كان ماهرا في علوم مختلفة و لديه يد طولى في فن أو مهنة.

و مما يشتهر من مثل هذه القصص أن الإمام الغزالي الذي كان فريد عصره و شخصية نابغة في مصره و زمانه و كان يستقى من بحر علومه كثير من العلماء الفحول و له مكانة عظمى لدى الحكومة و مقاما عاليا في بلاط الملك. مرة كان جالسا إذ تخيل في ذهنه أن يرى النظام الروحاني الذي رائج في زمانه فسافر إلى أمكنة بعيدة ولكن لم يحصل شيأ. فلقيه رجل و سأله هل لقي أبابكر الشبلى فقال إنه لم يترك أحدا من مشاهير هذا العلم و لكن لم يحصل شيأ ثم تذكر بنفسه أنه لم يلقه فأراد أن يلقاه.

سافر الإمام الغزالي رحمه الله تعالى للقائه و لما وصل إلى بيته كان أبوبكر الشبلى جالسا في فناء المسجد يخيط ثوبه فقرب منه و وقف ورائه فقال أبوبكر من غير أن يلوي عنقه يا أبا حامد الغزالي هل أتيت؟ و قد ضيعت كثيرا من الوقت ، و لا بد من العمل قبل الحصول على العلم فإن كنت مستعدا للعمل امكث هنا وإلا فاذهب. فتوقف الغزالي لثانية ثم قال: "أمكث معك". قال أبوبكر اذهب إلى ناحية المسجد و قم هناك. فأطاع أمره و قام هناك. وبعد برهة دعاه و ذهب به إلى بيته و أكرمه و أحسن مثواه و لما مضت عليه مدة قال له أبوبكر له الآن لا بد أن نبدأ العمل. و صورته أن تذهب بحقيبة مملوئة من التمور إلى السوق و اجلس هناك و قل "سأعطي تمرا من يلطمني لطمة على رأسي" و استمر هذا العمل إلى ثلاثة أعوام وقد تلقى آلاف من اللطمات من عامة الناس خلال السنوات الثلاث حتى نقل إليه العلوم الروحانية التي كان حائرا في البحث عنها منذ سنوات عديدة. و بعد أن حمل العلوم الروحانيةمن أبي بكر الشبلي رجغ إلى وطنه بغداد و كان عليه بذلة ثوب و بيده دلو مشدود بالحبل. ولما عرف أهل مدينته أن الغزالي قد رجع خرجوا لاستقباله و لما وجدوه في تلك الحالة تحيروا و قالوا ما شأنك يا شيخ الإسلام؟ قال الإمام الغزالي "لولم تأت هذه الحالة علي لضاعت حياتي كلها". إنما تدعونا كلمات الغزالي هذه إلى الفكر العميق لأنها هي كلمات الفاضل و المفكر في عصره و الفريد في دهره فإنه يقول لولم يحصل على علوم الروح لضاعت حياته.

ولو كان الغزالي يحاجه على توزيع التمور لم يحصل على علوم الروح.

وهذه هي صورة العلوم السماوية. فإن العبد لا يمكن له أن يحصل عليها مادام فيه "أنا". فإن العبد إذا ينطق بكلمة "لاإله إلا الله" فينفي جميع الآلهة أولا ثم يقر الرب الواحد القهار. و مما ذهب إليه المفسرون في تفسر الكلمة أن العرب كانوا يعبدون الأصنام فكلمة "لا" تعنى نفي الأصنام. فمعنى الكلمة أن ليست الأصنام ألهة و إنما الإله هو الله تعالى فحسب.  ولكن إذا نستخدم دقة نظرنا و نتفكر فيها فنصل إلى نتيجة أنها تنفى الإله الذي هو في محيط شعورنا و عقلنا بل نعتقد أن الله تعالى هو كيف ما يحبه أن يكون و كيف ما هو في علمه عن ذاته و صفته. فإن المؤمن الصادق يقول أمنت بالله كما هو بأسمائه و صفاته و قبلت جميع أحكامه. فهناك النفي نفي علمنا عن الله تعالى و لما ثبت النفي عن جميع ما نتصور عن الله تعالى من غيره فلم يبق إلا الله تعالى.

 


نظرية اللون والنور

خواجۃ شمس الدين عظيمي

إن الزمان والمكان قسمة متعددة للمحة واحدة و قسمة اللمحة هي الإطلاع الذي يرد على الدماغ الإنساني و خياله في كل حين و آن. و بما أن مصدر هذه الإطلاعات هي العلوم الروحانية فيجب على من كان لهم يد طولى فيها أن يتفكروا في علوم القرآن وإلا فلا يمكن الحصول عليها و سوف تبقى المساعي المبذولة عليها بلاجدوى.