Topics

الشمس في يمينه والقمر في يساره

ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته الناس إلى الإسلام وكثر ذكره وتذمر الناس وتباغضوا وحض بعضهم بعضاً عليه فمشوا إلى عمه أبي طالب وقالوا لـه يا أباطالب، إن لك سناً وشرفاً ومنزلةً فينا وإنا قد طلبنا منك أن تكف عنا ما يقوله ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على من يشتم آبائنا ويسفه أحلامنا ويعيب آلهتنا. فإما أن تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا له، حينها بعث أبوطالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا ابن أخي، إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق عليّ وعلى نفسك ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق.وظن رسول الله صلى  الله عليه وسلم أن عمه قد تغير رأيه في نصرته له وأنه خاذله ومسلمه لهم أو أنه قد ضعف عن نصرته والدفاع عنه فقال صلى الله عليه وسلــم: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته.

وعندما لاحظ أبوطالب أن ابن أخيه جادّ في أمره وماض في سبيله قال اذهــب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلّمك لشيء أبداً.

واقترب موسم الحج. وخافت قريش أن يقوم النبي عليه السلام بتبليغ الدين أمام الحجاج الذين يحضرون للحج من كافة المناطق. فبدأت تفكر في حيلة تمنع ذلك واجتمع رجال قريش في “دار النّدوة”وكانت مخصصة للاجتماعات الثقافية وإقامة الأمسيات الشعرية. وكانت قريش إذا رأت أمراً هاماً، اجتمعت فيها وتشاورت.

وبدأ الحوار يرأسهم الوليد بن المغيرة. فرأى أحد الحاضرين أن يقال إنه مجنون. وقال آخر إنه كاهن وتفوه الثالث إنه شاعر. وأخيراً اتفقوا على مقولة الوليد بن المغيرة بأن يقال إنه ساحر. وقد قرروا أن يتم تعيين أفراد منهم على جميع مفترق الطرق ومداخل مكة حتى لم يجد الوليد بن المغيرة ما يكيده على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقال بأنه ساحر فقال: وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر، جاء بقول هو سحر، يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرّق الناس عنه بذلك. وقد وصف القرآن الكريم عمل الوليد المشين فجاءت الآيات:

﴿إ نَّهُ فَكَّرَ‌ وَقَدَّرَ‌ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ‌ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ‌ * ثُمَّ نَظَرَ‌ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ‌  [1] .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على الناس في مجالسهم وفي سوق عكاظ والمجنة وذي المجاز ويدعوهم إلى الإسلام ويبلغ الدين. فكان أبولهب يتبعه في كل مكان و ينادي أيها الناس لا تسمعوا كلامه إنه ساحر، ومع ذلك نجح الرسول صلى الله عليه وسلم في إعلان نبوته. وعاد الناس من مكة وعلموا أن محمدا – صلى الله عليه وسلم – قد أعلن برسالته ونبوته وشاع الخبر في كل مكان رغم أنف الكفار.

أدركت قريش أن دعوة النبي عليه السلام تنتشر يوما فيوما وأن الناس يقبلون عليه على كل حال. فازدادوا هماً وحزناً وباتوا يبحثون عن مخرج يصد التيار الإسلامي من الانتشار في مكة.

كان عتبة بن ربيعة سيد القوم. وكانت له مكانة من بين أهل مكة. وذات مرة وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده قال عتبة بن ربيعة يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا، فقالوا بلى يا أباالوليد، قم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السدة أي من الشرف في العشيرة، والمكان في النسب. وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقّت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني، أعرض عليك أموراً، تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد: أسمع. قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وان كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه، لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه.

فلما فرغ عتبة بن ربيعة من كلامه قال له الرسول صلى الله عليه وسلم فاسمع مني، قال أفعل: فقال عليه السلام: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم، حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّ‌حْمَـٰنِ الرَّ‌حِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْ‌آنًا عَرَ‌بِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرً‌ا وَنَذِيرً‌ا فَأَعْرَ‌ضَ أَكْثَرُ‌هُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ *. وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه*[2] .ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك.

فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبوالوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي. وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم. فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم. وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك يا أبا الوليد بلسانه. قال هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.

وحدث أن الرسول صلى الله عليه وسلم بينما هو يطوف بالبيت، حضر إليه رجال من قريش وقالوا له هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر. وفي رواية عرضوا عليه صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك لمدة سنة. فأنزل الله تعالى فيهم: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُ‌ونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ *﴾[3].

ولم يكتف كفار مكة بهذا الإقتراح فقط بل حاولوا بين فترة وأخرى عدة محاولات لصد الدعوة الاسلامية النبوية وعدم إقبال الناس عليها. وذكر الله تعالى هذا كله في كتابه الكريم حيث قال:
﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ‌ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [4]
﴿وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ‌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُ‌ونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ‌ كَذَّابٌ [5].

  ﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِ‌هِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ‌ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * [6]

 ﴿وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَـٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِ‌ينَ [7]

 ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَ‌مُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّ‌وا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَ‌أَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَـٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * [8]

﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ‌ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَ‌ةً وَأَصِيلًا [9] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَ‌اهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُ‌ونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورً‌ا [10]

 ﴿وَقَالُوا مَالِ هَـٰذَا الرَّ‌سُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرً‌ا [11]



[1] سورة المدثر: الآيات 18-22

[2] سورة فصلت:الآيات 1-5

[3] سورة الكافرون

[4] سورة الحجر: الآية 6

[5] سورة ص:الآية 4

[6]  سورة القلم:الآية 51

[7]  سورة الأنعام:الآية 53

[8]  سورة المطففين:الآيات 29-32

[9]  سورة الفرقان: الآية 5

[10]  سورة الفرقان:الآية 4

[11]  سورة الفرقان: الآية 7


محمد رسول الله الجزء الأول

خواجۃ شمس الدين عظيمي

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّ‌حْمَـٰنِ الرَّ‌حِيمِ

 

﴿وَالْعَصْرِ‌ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ‌ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‌*﴾[1]

 

إن كل إنسان بعد ولادته يرتبط بثلاثة أنظمة : النظام الأول هو حيث رأى خالقه الحقيقي وعاهده على أن يتم مشيئته ، النظام الثاني هو ما يسمى بعالم الناسوت-دار العمل أو دار الامتحان  ، والنظام الثالث حيث يتم إخبار الإنسان بنجاحه أو فشله.

يتوقف نجاح الإنسان في أن يدرك أنه قد أقرّ لله سبحانه وتعالى بأنه خالقه وربه. ويرى علماء الباطن أن الانسان مركب من سبعين ألف طبقة.

 وفقاً للقانون الإلهي فإن الإنسان حين يأتي لعالم الناسوت تغلب عليه طبقة واحدة تحوي العناد والبغي واللا أمان ، الجحود ، وكفران النعمة ،اللا شكر والعجالة ،الشك ، عدم اليقين ،هجوم الوساوس. هذه هي الحياة الأرضية التي سماها القرآن الكريم بـأسفل سافلين[2].

     تنص تعليمات الأنبياء الكرام  على أن الكون  كله يعمل فيه طرازان

 اثنان طراز  يحبه الله وآخر يبغضه سبحانه. أما الطراز الذي يبعد العبد عن ربه فيسمى بالشيطنة وأما الطراز المفضل الذي يقرب العبد إلى ربه فيسمى الرحمة.

إن الذي يبدأ في السير على طريق الروحانيات يترسخ في ذهنه أن شخصية الإنسان تنبني وفقاً لطراز تفكيره. فاذا كان طراز فكره[3] معقداً متشابكاً كانت شخصية المرء ملتوية معقدة. وإذا كان طراز فكره سديداً مستقيماً  وفقاً للقانون الالهي  كانت حياته بسيطة مليئة بالصدق والأمانة. أما إذا كان الشخص سطحي الفكر فحينها يفكر بطريقة سطحية ، في حين يتفكر صاحب الفكر العميق في كل شيء حتى يتوصل إلى كنهه و حقيقته.

في داخل كل فرد يوجد طراز فكر حب الحقيقة لكن لا يستعمل هذا الطراز الكل. فالمرء بالرغم من مشاهدته وفهمه للأمور الغير حقيقة إلا أنه يعتبرها حقيقية.

حينما يخطو السالك قدماَ على درب السلوك يتبدل طراز فكره الغير حقيقي الذي تلقاه من والديه والمجتمع. فكيفما كانت البيئة المحيطة بالشخص ترتسم نقوشها على ذهنه ، وبقدر ما تكون تلك المؤثرات عميقة بقدر ما يتشكل طراز فكر حياة ذلك الشخص. فإذا كان المحيط يحوي ويتكون من شخصيات ذات فكر معقد، فاقدة لليقين ، ملحدة الإعتقاد ، تظهر التخريب والأعمال السيئة في سلوكها، فإن الذي يعايشهم تكون حياته أيضاً ملوثة بتلك التأثيرات الفاسدة. وإذا كان مجتمعاً يسوده الصدق والقيم الأخلاقية الفاضلة كان الفرد صاف نقي النفس مدركاً للحقائق.

 لا يخفى على أحد أن الطفل لا يحتاج إلى تعلم الأبجدية ليتحدث لغته الأم. كذلك تنتقل صفات مجتمع الشك واللايقين إلى أذهان الأطفال تلقائياً  ، وبنفس الطريقة المجتمع الصالح وقرب المعلم الروحاني اللذان ينقلان للسالك طراز اليقين.

جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كان طراز فكرهم كلهم أن نرتبط بالذات الماورائية ونقيم الصلة معها، هذا هو طراز فكر الروحاني وهذه العلاقة هي حبل وريد الكون.

 طراز الفكر الروحاني هو عمل مستمر يجري في عروق السالك مجرى الدم،  والعائق الأكبر لهذا العمل هي العادات والتقاليد القديمة التي ترمي للمادية. فالبيئة التي يشب فيها الإنسان تصبح عادات وتقاليد العائلة والقبيلة ، ويكون أمناء هذه العادات هم الوالدين ، الأخوة والأخوات، أفراد القبيلة والأقرباء جميعاً.

في المجتمع الإنساني يصنف الناس إلى  فئتين:

١) الذين يعيشون التقاليد الموروثة ويتمسكون بها ولا يبالون لما يجري في العالم ولماذا يحدث؟ فيكفيهم أن ما يقومون به ويعتقدونه هو نفس ما قام به وآمن به آباءهم وأجدادهم.

٢) الفئة الثانية من الناس تفكر في سبب ما يحدث وما هو الصواب وما هو الخطأ ؟

 كان مشركو مكة يعلمون بأن أناساً مثلهم قد نحتوا الصخور ليصنعوا أصنامهم الـ(360) ، وأنها لا تتحدث ولا تسمع كالبشر.......... لكن غلبة سيطرة العادات والتقاليد العائلية عليهم جعلتهم يتخذون تماثيلاً من قطع الحجارة الجامدة بمثابة آلهة لهم. ولم يكونوا يعبدونها فحسب بل لم يكن بوسع أحد أن يبين حقيقة هذا الأمر أو يبدي استنكاره نحو عبادة تلك الأصنام ، حيث كانوا يلحقون به أشد العقاب ويتباهون بصنوف العذاب المشينة .فالمحيط المغمور بتقاليد القرون السالفة وغبار الجهل جفف ينبوع الفهم من داخلهم.

ولنضع أمامانا أطفالنا كمثال : حينما نفصل الأطفال عن بيئة الجهل وندخلهم البيئة العلمية .....فنحن في الواقع نعلن بذلك ثورتنا على الجهل ونلحق الطفل بالمدرسة(أي البيئة المتحررة من الجهل).

 وليتم الطالب الصف الأول ثانوي يحتاج إلى عشر سنوات دراسية. وباحتساب عدد الساعات التي يقضيها الطالب في الدراسة نجد أنها 3500 ساعة في السنة الواحدة ، وهي المدة التي يحتاجها طفل ليتعلم العد إلى الـ (100).

بإنهاء الصف الأول الثانوي يكون الطالب قد صرف  35 ألف ساعة وآلافاً من الدنانير. بذلت الأم  قصاري جهدها في هذه الفترة ليركز ولدها في الدراسة ، وأولى الأب الاهتمام بألا يحدث تقصير في تعليم ابنه ، بالإضافة إلى تنبيهات ونصائح الأخت له ومساعدة الأخ أخاه في دراسته. بعد هذا التوجه والرعاية الفائقة من الجميع يتم الولد المرحلة الثانوية.

ولم تبدأ الدراسات العليا بعد، فبعد الثانوية تتفتح الطرق لأي مجال على المرء أن يسلك قدماً ليصبح هذا الولد طبيباً أو مهندساً أو محاسباً أو طياراً أو صانع آلة وغيره....

 بعد مرور 10سنوات لا يغدو المرء عالماً إنما فقط استعد ذهنياً لدراسة وتحصيل العلوم المادية المرموقة.... هذا هو الحال بالنسبة إلى العلوم الدنيوية.

أما في الجانب الآخر تكون العلوم الروحانية :حيث يخصص المرء بصعوبة ساعة واحدة فقط أسبوعياً وبهذه الطريقة يكون قد صرف أربع ساعات شهرياً و٤٨ ساعة سنوياً إلى جانب قضائه أشغاله المادية من ذهاب للعمل والانهماك فيه ، الزواج ، وغيرها من الأمور.كما ويظل متصلاً ذهنياً بالعادات والتقاليد القديمة وبالبيئة المحيطة به.

بعد قضاء 48 ساعة فقط في السنة الواحدة كيف للمرء أن يفكر في أنه لم يحصل على شيء أو يتمتع بلذة الكشف أو يطلع على ما فوق الفطرة ؟!!وهو ما يعني أن أهمية الروحانية قللت لتصبح أقل منها للصفوف الابتدائية للعلوم الدنيوية.

 فالطالب بعد قضائه ٣٥٠٠ ساعة سنوياً لمدة عشر سنين يصبح مؤهلاً فقط لاختيار مجال تخصصه في الدراسات العليا فكيف له أن يسوغ لنفسه تمني بلوغ  الروحانية بقضاء ٤٨ساعة فحسب؟

إن طراز فكر المعلم الروحاني فريد من نوعه مختلف عن طراز الفكر السائد في المحيط المادي المحض. فهو يمتاز بالتوكل والاستغناء وعدم طلب الدنيا ، ويكون التوحيد مركزاً له.

من الضروري لطالبات وطلاب دراسة العلم الروحاني أن يملؤوا باطنهم بالهمة والعزيمة لتفادي الأفكار السلبية الشيطانية والتقاليد الغير إسلامية..... وأن يسيروا قدماً على الصراط المستقيم بمزاج ثابت مقتفين نقوش خطى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ويهزموا الطاقات الطاغوتية وجل طغيان النفس في سبيل الظفر بالعرفان الإلهي.

إن الصفحات القادمة من هذا الكتاب تجمع بين طياتها جوانباً من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بينا فيها طراز الفكر الإيجابي الذي أراد الرسول صلى الله عليه وسلم نشره ، والعقبات والعراقيل التي وضعها ممثلو الشر في وجه كل خطوة من خطواته.

 في طريق التوحيد لإبعاد هذه العوائق عاش الرسول صلى الله عليه وسلم حياته في معاناة ، وتحمل الأذى الجسدي والذهني. لكن في النهاية نجح الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالة الله سبحانه وتعالى إلى  عباده ورضي الله عنه وأرضاه.

لابد لأفراد السلسلة العظيمية  المعينون لتسيير المهمة الروحانية من مطالعة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الطيبة وقراءتها مراراً وتكراراً ، والتفكر فيما عاناه وتحمله الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى لأجل إشاعة المهمة ونشر الوحدانية وإدخال الكفار في حلقة ونطاق التوحيد.

بجعل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نبض قلوبنا فإن مدد ودعم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم  سيكون معنا في كل خطوة نخطوها في طريق نشر تعليمات السلسلة العظيمية وإشاعة العلوم الروحانية وإيصالها للنوع الإنساني...وبلا شك  سنفلح في الدنيا ونسعد في الآخرة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنتمكن من اتخاذ خطوات جريئة ومواجهة الظروف القاهرة  المحطمة للقلب والإعراض عن افتراءات الناس واتهاماتهم.

قبل وفاة حضرة قلندر بابا أولياء(رحمه الله) خاطبني قائلاً:

السيد/خواجة..

ناشرو المهمة يتصفون بالجنون..

هل فهمت ما قلت؟

فرددت عليه: سيدي!وفقاً لما تريد واضعاً تعليماتك نصب عيني سأعمل للسلسلة كالمجانين.

فرح قلندر بابا أولياء (رحمه الله) لدى سماعه ما قلت ووضع يده فوق رأسي ثم راح يرسم دوائراً  بأنامله على جبهتي  وبعدها نفخ عليّ وقال: ليحمك الله وينصرك.

في طريق تقدم  المهمة  مالم ينج الإنسان من شتى أنواع المصالح الدنيوية  من  الجشع والتوقع ، الحسد ، الطمع، الكبر والتغطرس، الإحساس بالعظمة أو النقص،  الغرور ، لن يتولد فيه جنون المهمة.

إن هذا الكتيب المختصر يلقي الضوء بإيجاز على قسم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بذل فيه جهوداً جبارة  في تبليغ الدين لمدة  ثلاث وعشرون سنة. وأن حياته من ولادته الشريفة إلى بلوغه الأربعين من عمره تعد مشعلاً في طريق السالكين.

إننا كنساء ورجال السلسلة العظيمية الذين تقع على أكتافنا مسؤولية تعميم تعليماتها بلا شك محظوظون وسعداء بهذا الشرف.

 

ولحفظ هذه السعادة والشرف وتأدية شكرها يجب علينا  أن نطالع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم التاريخية مراراً وتكراراً . هذا العمل سيمدنا ويولد بداخلنا اليقين والقوة والعزيمة التي ستدفعنا للسير

خواجة شمس الدين عظيمي

مركز المراقبة الرئيسي ، سرجاني تاون كراتشي

١٢ ربيع الأول ١٤١٧ هجرية   /الموافق ٢٩ يوليو ١٩٩٦ ميلادية

قدماً.



[1]   سورة العصر : الآيات 1-3

[2]  سورة التين : الآية 5

[3]  طراز الفكر: نمط التفكير