Topics
كما
لاحظت أيها القاري في الصفحات الماضية أننا نسعى أن نقرب إلى أذهانكم معاني و
مفاهيم الحواس أو الصيغ الأساسية التي يقوم عليها الكون و يجري منذ الأزل من خلال
الأمثلة المختلفة في هذا الصدد. و إليكم بعض الأمثلة الأخرى.
إن
الإنسان أو الجيل البشري و الأجيال الأخرى من الجن و الملائكة و الأجرام الفكية و
جميع أنظمة المجراة كل ذلك يبتدأ في الشعور و إذا ينتهي بتبدل الشعور و تغيره يختار
أسماء مختلفة. مثلا إذا نجعل البداية مرحلة الولادة فنجعل الموت مرحلة الإنتهاء.
وإذا نتفكر في مرحلة الموت حينما نكون في مرحلة الحواس الشعورية تكون مرحلة الموت
أيضا قدما للحياة. يعيش الإنسان و جميع الكون
في الحواس التي هي عبارة عن تغير
الكوائف المختلفة للحواس الأربع. و مما
تتضح كيفية عقلنا وشعورنا أننا نشعر
بالضعف الشديد حتى لا يمكن لنا أن نرى شيأ لو حال بينه و بين أعيننا حجاب. يعنى أن شعورنا أضعف جدا فإن بصارتنا لاتعمل إذا
يحول بينه بين المرئي شيء خفيف. و إذا نخرج من كيفية محدودة للعقل والشعور و ندخل في كيفية لاحد لها ولا نهاية فندرك جميع
الأشياء. كما ذكرنا في السطور الماضية أن شعور الفرد و الكون و ماوراء الكون يعين
مراحل الحياة. والعلم الذي أعطاه الله تعالى الإنسان أن جميع الكون مركب من أربع حواس.
و سماها القلندر بابا أولياء بنسمة مركبة و نسمة مفردة و نور مركب و نور مفرد. و
هذه الحواس الأربع حقيقة تجري على طرازها جميع أمور الكون. والسبب وراء قسمة الشعور إلى أربع لكي نفهم الكون مع أجزائه. والأصل أن الشعور
واحد و الشعور الواحد يتحرك في كل شيء
للكون و تقع القسمة في الشعور من حيث حركته في أشياء الكون.
و يتجلى
من أساليب تعاليم الأنبياء أنهم عرفوا خالق الكون و أمره. و أكدوا
على الناس أن يسعوا لإدراك الإله الذي خلق
الكون و ذلك لأنه لايمكن فهم أمر الخالق حتى نفهم خالقه و عارضه بعض الناس أنه كيف
يمكن فهم أمر الخالق لأن الأمر ما لم يكن إدراكا للإنسان لا يمكن فهمه. و قال
القلندر بابا أولياء إنه صحيح لأن الأمر ما لمم يسعى لفهم ذاته لايمكن له أن يفهم الرب
الذي يتعلق به.
ولفهم
الأمر لابد للإنسان أن يعرف كنهه الذي هو الإنسان في صورة الأمر. والهدف وراء ذلك أنه
لا بد للإنسان أن يعرف أمر الخالق الذي هو الإنسان أصلا يعني أنه كالأمر الإلهي.
فإنه إذا يعرف نفسه و الأمر الذي يوجد في ذاته حينئذ يمكن له أن يعرف الرب
الكريم.والحاصل أن الإنسان الروحاني لا يمكن له أن يعرف نفسه و ربه إلا أن يكون له
معرفة تامة عن الأمر.
لما رأى
موسى على نبينا و عليه السلام نورا على جبل طور سأل و قال "من"؟
قال
تعالى ردا على سؤاله:
"أنا
ربك"
فإن النور
الذي رآه موسى عليه السلام كان نور أمر الرب و نور الذات سبحانه تعالى و تتعين
حدود الذات المطلقة ذات الأمر. فإن موسى
ذات الأمر و الله تعالى هو الذات المطلقة
و لما أراد الأمر أن يعرف الذات المطلقة فسأله "من؟". والآن قد
ظهرت أربعة أشياء يجب البحث عنها.
الأول
الذات المطلقة- صفة الرب الكريم التي هي الربوبية و الثاني وصف موسى عليه السلام
التخليقي.
في جانب
الذات المطلقة و صفاتها و في جانب آخر ذات الأمر و احتياجها
في جانب
الذات المطلقة و في جانب النبي موسى عليه السلام من حيث العبد
و في
جانب ثالث الذات المطلقة و صفاتها يعنى جميع الصفات التي تحيط الربوبية
و في
جانب رابع النبي موسى من حيث ذات الأمر و صاحب الاحتياج
الأمر
محتاج إلى الذات المطلقة و الذات المطلقة لاتحتاج إلى شيء. و هذه الأمور الأربعة
تتأسس عليها الأمور النبوية. بعض الناس قالوا إن الذات المطلقة هي الحقيقة
المطلقة. وقالوا عن الأمر المطلق هو الكون. وهذا هو أسلوب بيان الحكماء الربانين
الذيين فيهم التفكر و التجسس و يسعون لفهم الكون خارجين من شعورهم إلى لاشعورهم.
وللحكماء والأنبياء فكر مستقل للفهم. والفرق بينهم أن الأنبياء يفهمون الكون من
علومههم الحضورية مع أن الحكماء يرون الظاهر ثم يسعون إلى الباطن الذي يقوم عليه
الظاهر. وبما أن الحكماء يرون أولا الظاهر ثم ينتقلون من الظاهر إلى الباطن ولكن
هنا كثير من الأشياء التي لايوجد ظاهرها فتخفى على الحكماء مع أن الأنبياء ليس شيء
يخفى عليهم لأنهم لايبحثون عن الباطن من الظاهر بل و إنهم يبحثون عن الظاهر من
الباطن. و الأنبياء لايصرفون النظر عن الظواهر ولكنهم لايجعلون الظواهر أصلا بلا
يجعلون الباطن أصلا. كما أنهم يقولون إن الذات المطلقة هي الحياة. و لذلك يقرون
الحياة أبدية. و يعطون الكون الدرجة الثانوية. ولذلك يصلون إلى أعماق الكون.
والحكماء بما أنهم يعطون المظاهر الدرجة الأولى و لذلك لا يصلون إلى أعماق الروح.
والأنبياء عليهم السلام قالوا إن الفكر الإنساني له نور يستطيع أن يرى باطن ظاهر.
و في كلمات أخرى أن الإنسان يتمكن من أن يظهر عليه بداية الحياة و انتهائها فإذا
نذكر البداية فيظهر علينا شيء و هناك طريق الفناء لدى الانتهاء. ولذلك يؤكد
الأنبياء على الحياة بعد الممات.
قال
النبي الآخر محمد صلى الله عليه وسلم:
"موتوا
قبل أن تموتوا"
ابذلو
جهودكم للبحث في الحياة الظاهرية عن باطن هو الحياة الحقيقية التي تؤكد لنا أن
الإنسان إذا يمر بطريق الفنا في الفناء فيصل إلى نقطة لا فنا له و هي النقطة التي
يقال عنها الذات المطلقة أصلا.
خواجۃ شمس الدين عظيمي
إن
الزمان والمكان قسمة متعددة للمحة واحدة و قسمة اللمحة هي الإطلاع الذي يرد على
الدماغ الإنساني و خياله في كل حين و آن. و بما أن مصدر هذه الإطلاعات هي العلوم
الروحانية فيجب على من كان لهم يد طولى فيها أن يتفكروا في علوم القرآن
وإلا فلا يمكن الحصول عليها و سوف تبقى المساعي المبذولة عليها بلاجدوى.