شيء لايليق بالذكر

لقد صدق من خلق الكون:

كان الإنسان  "لم يكن شيأ مذكورا" (سورة الدهر 1)

وقال في موضع آخر : فنفخنا فيه من روحنا. (سورة التحريم : 12)

و قال تعالى نفس الشيء لعيسى عليه السلام:

وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ  (سورة المائدة: 10)

كانت الطيور المصنوعة من الطين تطير عندما ينفخ فيها عيسى عليه السلام. وكان الجذامي و الأعمى يصبحان صحيحين عندما ينفخ فيهما أو ينفخ عليهما.

و قد انكشف السر بإن جميع الموجودات قد خلقت على الفور بعد أن قال الله تعالى "كن".  و لما أتى الخلق إلى حيز الوجود فكان هناك عالم الحيرة والاستعجاب و كانت الخلائق لاتعرف خالفها فخاطب الله تعالى الموجودات كلها و قال:

ألست بربكم؟

و عندما اصطدم الصوت بآذان الأوراح فقالت مباشرة:

بلى وربنا.

والعلوم التي نقلها الله تعالى إلى الخلق ثلاثة. وهذه هي العلوم التي قال عنها الرب الكريم أنها أمانة له. و الذي قد أعطي هذا العلم يكون مكلفا عند الله و من لم يعط فلايكون مكلفا لديه.

أما الشعور والعقل فجميع الخلق له الشعور والعقل ولذلك قدم الله تعالى أمانته أمامها و هي قد أنكرت من حملها وقبول مسؤولياتنا فإن التقديم من الله تعالى و الإنكار منها دليل واضح أن الخلق الذي أنكر لديه عقل وإلا لم ينكر ولم يرد على ما قال الله تعالى.

قال تعالى:

"إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا"

قال تعالى عن الإنسان "إنه كان ظلوما جهولا" لإنه كان أجهل من الجبال والبحار والسموارات والأرضين فإنها كانت تعرف الصفات الربانية مع أن الإنسان كان جاهلا عنها. و كان قد أعطى الله آدم عليه السلام العلوم لكي يجعله خليفة في الأرض و يكون للخليفة سلطة كما أنها تحصل للأصل. و عندما نشرح الأمور التخليقية فيضمنها الحياة والموت و عندما يصاب أحد بالموت فإنه ينتقل من منطقة إلى منطقة أخرى. فإن رجلا مثلا يموت في عالم الناسوت فيولد في عالم الأعراف. و تجري هذه السلسلة من الإزل إلى الأبد.

الملحوظة: وكل مخلوق يأتي إلى حيز الوجود من خلال استخدام الحقوق و السلطات التي وهبها الله تعالى الإنسان يكون خلقا فرعيا و يعنى ذلك أن كل مخلوق لا يوجد إلا باستخدام الأجزاء التخليقية أو الوصفية التي أعدها الله تعالى للإنسان.

و مراقبة "لا" لها أهمية بالغة في الشعبة الروحانية  من فكرة اللون والنور. و مراقبة "لا" أن ينفى المرء عن نفسه. و النفي عن ذاته أن ينفي المرء عن كل ما يعلم و يعرف و يتيقن عن نفسه وعن الكون و ما حوله من الجمتع.

و يُطرَح هنا سؤال ، لماذا يجب على المرء أن ينفى عن نفسه.

والجواب أنه يجب النفي عن النفس لأن العلوم التي تحصل للإنسان في عالم الناسوت تتأسس على الخيال و Fiction . والعلوم التي تحصل من الحقائق لايمكن حصولها إلا بعد النفي عن العلوم التي تحصل من الفكشن. والفرق بينهما أن العلوم التي تحصل من  الحقائق لاتتغير والعلوم التي تحصل من التخيلات تتغير في كل حين وآن.

و الحواس  - مهما كانت حقيقية أو خيالية -  تتأسس على العلوم فإن طفلا مثلا إذا يُطْرَحُ في الغابة عندما يولد فينشأ هناك ويترعرع. فتكون جميع خصائله وأخلاقه مثل أخلاق و خصائل الحيوانات التي قد تناول التربية معها.

و هذه حقيقة أنه لولم يكن شيء في علمنا أو لم يذكر أمامنا فيكون كأنه معدوم لنا. و مثال الأعمى والأصم و الأبكم أمامنا فأنهم لايقدرون على النظر و السماع و والنطق. و بقدر ما يحصل لهم من المعلومات من خلال النظر تتيقظ فيهم المؤهلات. و كل ما ينظر إليه الأبكم مثلا لا يقدر على شرحه مع أنه يشعر به كاملا.

و مما يدعونا إلى التفكر أن البكم و الصم يرون كل شيء و يعرفون المجمتع و ما حوله ولكن مستواهم العلمي يكون محدودا و لذا يكون علمهم محدودا أيضا. و الخلاصة في ذلك أن النظر و السمع و اللمس كل ذلك فرع من فروع العلم و يرشدنا العلم في جميع نواحي الحياة إلى الحق والصواب. فإن أحدا لم ير الحجر في حياته و يوضع الحجر أمامه و يسأل ما ذلك؟ فلا يمكن له أن يقول شيأ عن ذلك. فإن العلم عن الحجر له في درجة النفي. و إذا كان لأحد علم حول الحجر فلا يحتاج إلى لمسه وإنه يعرب عن معلوماته حول الحجر بمجر النظر إليه. فإن لم يكن العلم عن شيء من قبل فلا يمكن لمسه و سماعه و رؤيته ، يعنى أن العلم عن شيء هو وجوده. و من هنا قد أصبح العلم عن شيء لازما لوجوده فالنظر والبصارة علم و السماع علم و اللمس علم و ليست الموجودات إلا العلم. والعلم هو الموجود و عدم العلم لا موجود. و ليس جميع الخلائق الموجودة في الكون و نظام حياتها إلا العلم.

كان الخالق قد قام بإعداد برنامج بنفسه و لما أراد أن يقوم تشتغيل البرنامج فشغل الزر و جعل ينتشر البرنامج.

ولو لم تكن علاقة مخفية بين الإنسان والغنم لما أمكن للإنسان أن يعرف الغنم و كذلك ما كان للغنم ممكنا أن يعرف الإنسان. و يتفكر الإنسان الروحاني لا محالة أنه لماذا يعرف الغنم و لماذا أن الغنم يعرفه.

 و الإنسان يعرف الأسد كما يعرف الأسد الإنسان، و كذلك عندما يرفع أحد بصره إلى السماء فيصيح أنه قمر و أنها شمس و أنه نجم و لا يكتفي بذلك بل هو يعرف كل ذلك في شعوره و إدراكه. و إذا يصل التفكر إلى أعماق الإنسان ويكون ذلك شعارا له فيتجلى فيه العلم و جعل يرى جميع الأجرام السماوية و غيرها من الأفراد الحيوية و غيرها مشدودة بعلاقة مخفية و يأتي أمام أعينه سجل المعلومات لملايين سنة من قبل و من بعد.