Topics
كان من الصعب جداً على عامة
المسلمين أن يستنتجوا النتائج البعيدة المدى والعميقة الأثر في تبليغ الدعوة
وإقبال الناس عليها في المستقبل. ولذلك عندما رجعوا من
الحديبية إلى المدينة المنورة محلقين رؤوسهم كانت قلوبهم حزينة وحالتهم كئيبة.
وبينما هم في المدينة المنورة إذ
تمكن أحد المسلمين المحبوسين لدى كفار مكة وهو أبو بصير رجل من ثقيف من حلفاء قريش
وتبعه رجلان من قريش يطالبان بردّه إلى قريش طبقا لاتفاقية الصلح وعارض المسلمون
ردّه إلى المشركين ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من
حبه لمثل هؤلاء المسلمين، أوفى
بعهده وسلّمه إلى ذينك الرجلين. وفي الطريق وبالتحديد لدى عودتهم ووصولهم إلى ذي
الحليفة نزل الرجلان ومعهما أبو بصير هنالك
وكانوا يأكلون التمر، قال أبو بصير – رضي الله عنه – لواحد منهما: والله
إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر فقال أجل والله إنه لجيد، لقد جربت
به ثم جربت، فقال له أبو بصير: أرني أنظر إليه، فسلمه إليه وما أن استلم أبو بصير
السيف حتى ضربه على ذلك الرجل فمات.
وفر الرجل الآخر إلى المدينة
المنورة حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: قتل صاحبي وإني لمقتول.
وأردفه أبو بصير بقوله: يا نبي الله، والله قد أوفى الله ذمتك، قد رجعتني إليهم،
ثم أنجاني الله منهم. قال رسول الله: ويل أمه، مسعر حرب لو كان له أحد. فعرف أبو
بصير أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يرده فخرج وأقام على سيف البحر. وعلم أبو
جندل – رضي الله عنه – ذلك فانفلت من بطش قريش ولحقه. ثم لحقهم عتبة بن أسد. ثم
أصبح كل مسلم مضطهد في دينه على أرض مكة في حصار قريش يستغل الفرصة ويلحق بهذه
الجماعة المؤمنة حتى أصبحت عصابة قوية. وباتت لا تسمح لعير خرجت لقريش إلى الشام
إلا داهمتها فتقتل أهل العير وتأخذ أموالهم. حتى عجزت قريش كل العجز وناشدت الرسول
صلى الله عليه وسلم وقامت بتعديل ذلك البند الظالم بأن من أتى الرسول صلى الله
عليه وسلم من مكة فهو آمن ولا داعي لرده إلى قريش.
خواجۃ شمس الدين عظيمي
بِسْمِ
اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالْعَصْرِ
* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ*﴾[1]
إن كل
إنسان بعد ولادته يرتبط بثلاثة أنظمة : النظام الأول هو حيث رأى خالقه الحقيقي
وعاهده على أن يتم مشيئته ، النظام الثاني هو ما يسمى
بعالم الناسوت-دار العمل أو دار الامتحان
، والنظام الثالث حيث يتم إخبار الإنسان بنجاحه أو فشله.
يتوقف
نجاح الإنسان في أن يدرك أنه قد أقرّ لله سبحانه وتعالى بأنه خالقه وربه. ويرى
علماء الباطن أن الانسان مركب من سبعين ألف طبقة.
وفقاً
للقانون الإلهي فإن الإنسان حين يأتي لعالم الناسوت تغلب عليه طبقة واحدة تحوي
العناد والبغي واللا أمان ، الجحود ، وكفران النعمة ،اللا شكر والعجالة ،الشك ،
عدم اليقين ،هجوم الوساوس. هذه هي الحياة الأرضية التي سماها القرآن الكريم بـأسفل
سافلين[2].
تنص تعليمات الأنبياء الكرام على
أن الكون كله يعمل فيه طرازان
اثنان طراز
يحبه الله وآخر يبغضه سبحانه. أما الطراز الذي يبعد العبد عن ربه فيسمى
بالشيطنة وأما الطراز المفضل الذي
يقرب العبد إلى ربه فيسمى الرحمة.
إن الذي
يبدأ في السير على طريق الروحانيات يترسخ في ذهنه أن شخصية الإنسان تنبني وفقاً لطراز تفكيره.
فاذا كان طراز فكره[3]
معقداً متشابكاً كانت شخصية المرء ملتوية معقدة. وإذا كان طراز فكره سديداً
مستقيماً وفقاً للقانون الالهي كانت حياته بسيطة مليئة بالصدق والأمانة. أما
إذا كان الشخص سطحي الفكر فحينها يفكر بطريقة سطحية ، في حين يتفكر صاحب الفكر
العميق في كل شيء حتى يتوصل إلى كنهه و حقيقته.
في داخل
كل فرد يوجد طراز فكر حب الحقيقة لكن لا يستعمل هذا الطراز الكل. فالمرء بالرغم من
مشاهدته وفهمه للأمور الغير حقيقة إلا أنه يعتبرها حقيقية.
حينما يخطو السالك قدماَ على درب السلوك يتبدل
طراز فكره الغير حقيقي الذي تلقاه من والديه والمجتمع. فكيفما كانت البيئة المحيطة
بالشخص ترتسم نقوشها على ذهنه ، وبقدر ما تكون تلك المؤثرات عميقة بقدر ما يتشكل
طراز فكر حياة ذلك الشخص. فإذا كان المحيط يحوي ويتكون من شخصيات ذات فكر معقد،
فاقدة لليقين ، ملحدة الإعتقاد ، تظهر التخريب والأعمال السيئة في سلوكها، فإن
الذي يعايشهم تكون حياته أيضاً ملوثة بتلك التأثيرات الفاسدة. وإذا كان مجتمعاً
يسوده الصدق والقيم الأخلاقية الفاضلة كان الفرد صاف نقي النفس مدركاً للحقائق.
لا
يخفى على أحد أن الطفل لا يحتاج إلى تعلم الأبجدية ليتحدث لغته الأم. كذلك تنتقل
صفات مجتمع الشك واللايقين إلى أذهان الأطفال تلقائياً ، وبنفس الطريقة المجتمع الصالح وقرب المعلم
الروحاني اللذان ينقلان للسالك طراز اليقين.
جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام
كان طراز فكرهم كلهم أن نرتبط بالذات الماورائية ونقيم الصلة معها، هذا هو طراز
فكر الروحاني وهذه العلاقة هي حبل وريد الكون.
طراز
الفكر الروحاني هو عمل مستمر يجري في عروق السالك مجرى الدم، والعائق الأكبر لهذا العمل هي العادات
والتقاليد القديمة التي ترمي للمادية. فالبيئة التي يشب فيها الإنسان تصبح عادات
وتقاليد العائلة والقبيلة ، ويكون أمناء هذه العادات هم الوالدين ، الأخوة
والأخوات، أفراد القبيلة والأقرباء جميعاً.
في المجتمع الإنساني يصنف الناس إلى فئتين:
١) الذين يعيشون التقاليد الموروثة ويتمسكون بها
ولا يبالون لما يجري في العالم ولماذا يحدث؟ فيكفيهم أن ما يقومون به ويعتقدونه هو
نفس ما قام به وآمن به آباءهم وأجدادهم.
٢) الفئة الثانية من الناس تفكر في
سبب ما يحدث وما هو الصواب وما هو الخطأ ؟
كان
مشركو مكة يعلمون بأن أناساً مثلهم قد نحتوا الصخور ليصنعوا أصنامهم الـ(360) ،
وأنها لا تتحدث ولا تسمع كالبشر.......... لكن غلبة سيطرة العادات والتقاليد
العائلية عليهم جعلتهم يتخذون تماثيلاً من قطع الحجارة الجامدة بمثابة آلهة لهم.
ولم يكونوا يعبدونها فحسب بل لم يكن بوسع أحد أن يبين حقيقة هذا الأمر أو يبدي
استنكاره نحو عبادة تلك الأصنام ، حيث كانوا يلحقون به أشد العقاب ويتباهون بصنوف
العذاب المشينة .فالمحيط المغمور بتقاليد القرون السالفة وغبار الجهل جفف ينبوع
الفهم من داخلهم.
ولنضع أمامانا أطفالنا كمثال : حينما نفصل
الأطفال عن بيئة الجهل وندخلهم البيئة العلمية .....فنحن في الواقع نعلن بذلك
ثورتنا على الجهل ونلحق الطفل بالمدرسة(أي البيئة المتحررة من الجهل).
وليتم
الطالب الصف الأول ثانوي يحتاج إلى عشر سنوات دراسية. وباحتساب عدد الساعات التي
يقضيها الطالب في الدراسة نجد أنها 3500 ساعة في السنة الواحدة ، وهي المدة التي
يحتاجها طفل ليتعلم العد إلى الـ (100).
بإنهاء الصف الأول الثانوي يكون الطالب قد
صرف 35 ألف ساعة وآلافاً من الدنانير.
بذلت الأم قصاري جهدها في هذه الفترة
ليركز ولدها في الدراسة ، وأولى الأب الاهتمام بألا يحدث تقصير في تعليم ابنه ،
بالإضافة إلى تنبيهات ونصائح الأخت له ومساعدة الأخ أخاه في دراسته. بعد هذا
التوجه والرعاية الفائقة من الجميع يتم الولد المرحلة الثانوية.
ولم تبدأ
الدراسات العليا بعد، فبعد الثانوية تتفتح الطرق لأي مجال على المرء أن يسلك قدماً ليصبح هذا الولد طبيباً أو
مهندساً أو محاسباً أو طياراً أو صانع آلة وغيره....
بعد
مرور 10سنوات لا يغدو المرء عالماً إنما فقط استعد ذهنياً لدراسة وتحصيل العلوم
المادية المرموقة....
هذا هو الحال بالنسبة إلى العلوم الدنيوية.
أما في
الجانب الآخر تكون العلوم الروحانية :حيث يخصص المرء بصعوبة ساعة واحدة فقط
أسبوعياً وبهذه الطريقة يكون قد صرف أربع ساعات شهرياً و٤٨ ساعة سنوياً إلى جانب
قضائه أشغاله المادية من ذهاب للعمل والانهماك فيه ، الزواج ، وغيرها من
الأمور.كما ويظل متصلاً ذهنياً بالعادات والتقاليد القديمة وبالبيئة المحيطة به.
بعد قضاء
48 ساعة فقط في السنة الواحدة كيف للمرء أن يفكر في أنه لم يحصل على شيء أو يتمتع
بلذة الكشف أو يطلع على ما فوق الفطرة ؟!!وهو ما يعني أن أهمية الروحانية قللت
لتصبح أقل منها للصفوف الابتدائية للعلوم الدنيوية.
فالطالب بعد قضائه ٣٥٠٠ ساعة سنوياً لمدة عشر
سنين يصبح مؤهلاً فقط لاختيار مجال تخصصه في الدراسات العليا فكيف له أن يسوغ
لنفسه تمني بلوغ الروحانية بقضاء ٤٨ساعة
فحسب؟
إن طراز
فكر المعلم الروحاني فريد من نوعه مختلف عن طراز الفكر السائد في المحيط المادي
المحض. فهو يمتاز بالتوكل والاستغناء وعدم طلب الدنيا ، ويكون التوحيد
مركزاً له.
من
الضروري لطالبات وطلاب دراسة العلم الروحاني أن يملؤوا باطنهم بالهمة والعزيمة
لتفادي الأفكار السلبية الشيطانية والتقاليد الغير إسلامية..... وأن يسيروا قدماً
على الصراط المستقيم بمزاج ثابت مقتفين نقوش خطى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ويهزموا الطاقات الطاغوتية وجل طغيان النفس في سبيل الظفر بالعرفان الإلهي.
إن
الصفحات القادمة من هذا الكتاب تجمع بين طياتها جوانباً من سيرة الرسول صلى الله
عليه وسلم بينا فيها طراز الفكر الإيجابي الذي أراد الرسول صلى الله عليه وسلم
نشره ، والعقبات والعراقيل التي وضعها ممثلو الشر في وجه كل خطوة من خطواته.
في طريق التوحيد لإبعاد هذه العوائق عاش الرسول
صلى الله عليه وسلم حياته في معاناة ، وتحمل الأذى الجسدي والذهني. لكن في النهاية
نجح الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالة الله سبحانه وتعالى إلى عباده ورضي الله عنه وأرضاه.
لابد
لأفراد السلسلة العظيمية المعينون لتسيير
المهمة الروحانية من مطالعة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الطيبة وقراءتها
مراراً وتكراراً ، والتفكر فيما عاناه وتحمله الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى
لأجل إشاعة المهمة ونشر الوحدانية وإدخال الكفار في حلقة ونطاق التوحيد.
بجعل
سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نبض قلوبنا فإن مدد ودعم الله ورسوله صلى الله
عليه وسلم سيكون معنا في كل خطوة نخطوها
في طريق نشر تعليمات السلسلة العظيمية وإشاعة العلوم الروحانية وإيصالها للنوع
الإنساني...وبلا شك سنفلح في الدنيا ونسعد
في الآخرة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنتمكن من اتخاذ خطوات جريئة ومواجهة
الظروف القاهرة المحطمة للقلب والإعراض عن
افتراءات الناس واتهاماتهم.
قبل وفاة
حضرة قلندر بابا أولياء(رحمه الله) خاطبني قائلاً:
السيد/خواجة..
ناشرو
المهمة يتصفون بالجنون..
هل فهمت
ما قلت؟
فرددت
عليه: سيدي!وفقاً لما تريد واضعاً تعليماتك نصب عيني سأعمل للسلسلة كالمجانين.
فرح
قلندر بابا أولياء (رحمه الله) لدى سماعه ما قلت ووضع يده فوق رأسي ثم راح يرسم
دوائراً بأنامله على جبهتي وبعدها نفخ عليّ وقال: ليحمك الله وينصرك.
في طريق
تقدم المهمة مالم ينج الإنسان من شتى أنواع المصالح الدنيوية من
الجشع والتوقع ، الحسد ، الطمع، الكبر والتغطرس، الإحساس بالعظمة أو
النقص، الغرور ، لن يتولد فيه جنون
المهمة.
إن هذا
الكتيب المختصر يلقي الضوء بإيجاز على قسم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي
بذل فيه جهوداً جبارة في تبليغ الدين
لمدة ثلاث وعشرون سنة. وأن حياته من
ولادته الشريفة إلى بلوغه الأربعين من عمره تعد مشعلاً في طريق السالكين.
إننا كنساء ورجال السلسلة العظيمية الذين تقع على أكتافنا
مسؤولية تعميم تعليماتها بلا شك محظوظون وسعداء بهذا الشرف.
ولحفظ هذه السعادة والشرف
وتأدية شكرها يجب علينا أن نطالع سيرة
الرسول صلى الله عليه وسلم التاريخية مراراً وتكراراً . هذا العمل سيمدنا ويولد
بداخلنا اليقين والقوة والعزيمة التي ستدفعنا للسير
خواجة
شمس الدين عظيمي مركز
المراقبة الرئيسي ، سرجاني تاون – كراتشي ١٢
ربيع الأول ١٤١٧ هجرية /الموافق ٢٩ يوليو
١٩٩٦ ميلادية |