Topics
و قد ذكر
الله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام أن الإنكار عن غير الله تعالى ضروري لمعرفة
الله تعالى كما أنه أيضا ذكر أن إبراهيم عليه السلام تفكر في الله تعالى و قدرته البالغة من خلال حواسه
اللاشعورية فضلا عن حواسه الشعورية .
فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَـٰذَا رَبِّي ۖ
فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿٧٦﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ
بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ
يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ
بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ
يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ ﴿سورة الأنعام: ٧٩﴾
و معنى
الآية أن شيأ ولو كان كبيرا و عظيما للغاية لايليق بالعبودية لأن قوة أكبر منه
تختفي ورائه دائما و تلقى ستارة عليه و قد اتضح من البيان أن الإنسان له قوة عظيمة
لمعرفة الرب و القيام بالامتياز بين الرب و غيره و قد سمى النبي صلى الله عليه
وسلم هذه القوة بالنفس وسماها الله عز وجل بالحبل الوريد في القرآن الكريم.
الحركة
في حواس اليقظة تكون مع التسلسل أي لمحة بعد لمحة.
أما
الحركة في النوم فإن العبد لايتقيد بالحركة المتسلسلة.
يعنى بعد
الواحد أحيانا تأتي المرحلة العشرون مثلا.
و لا
يمكن لأحد في اليقظة أن يصل إلى مقام B قبل أن
يمر بجميع المراحل التي تقع فيما بين A و B.
هذا،
ولا يجب المرور بالمقامات التي تدور ما بين C و D للوصول
من C إلى D في عالم النوم.
و إن
كانت القدرة على معرفة الرب الكريم انتهت لأحد فلا يمكن له أن يعرف ربه. و من
المعلوم أن الحياة ليس لها وقوف بل وإنها تتحرك و تتجدد في كل حين و آن و قد هيأ الله تعالى وسائل كثيرة مادية لبقاء
التجدد في الحياة. ولكن الإنسان يأتي عليه وقت لا يتجدد جسمه بوسائل التجديد و
التنضير و هو الموت فإن الإنسان إذا مات لايفيده شيء من وسائل التجديد و ذلك
يشعرنا بأن هناك أحد يعود كل شيء إليه فقط.
قال الله
تعالى:
سُبْحَانَ
الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ
أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴿سورة يس: ٣٦﴾
ولفهم
القسمين يجب علينا أن نفهم الحواس الشعورية واللاشعورية في الإنسان أولا فإن نصف
حياته تنقضي في حواس الشعور و الإدراك و
نصفه الآخر تنقضي في حواس اللاشعور و عدم الإدراك بل الحق أن معظم حياته تمضي في
حواس اللاشعور.
المثال
يولد
الإنسان و يقضي حياته وهو لايشعر بشيء إلى
عشر سنين و إذا نعد أوقات النوم في ذلك ستكون مدة عدم الوعي والشعور أكثر من
الشعور . و من الحقيقة أن حياة عدم الشعور تؤدي إلى اليقظة الروحانية إذا يقوم العبد
بالعيش في عالم اللاشعور حال كونه في عالم
الشعور.
وللحياة
وقفة يعمل فيها الإنسان و هو يشعر بكل شيء و يقال لها اليقظة. و يغلبه المكان و الزمان عندما يكون في حالة اليقظة
أو يعيش في عالم الشعور يعنى يجد أنفسنا مقيدا بقيود مختلفة. ولكن عندما ينام
الإنسان تبدأ له مرحلة أخرى لحياته و هنا يتحرر من قيود المكان والزمان ويدخل في
عالم ليس فيه تصور المكان والزمان.
و بنفي
غير الرب في عالم الشعور تنتهي قيود الزمان والمكان و يدخل الإنسان في عالم الغيب
والروح. وليس لأحد يقوم بدراسة العلوم الروحانية والبحث عنها أن يغمض عينيه من
الكتب الإلهامية عامة و الكتاب السماوي
الأخير الذي نزل على النبي المصطفى محمد عليه ألف تحية وسلام خاصة و هو مملوء بالخزائن
الغيبية و وثيقة للعلوم الماورائية. و هذا هو الكتاب الذي لا يغادر صغير اولاكبيرا
من العلوم إلا و يبينه بتفصيل و بيان.
قال الله
تعالى:
الم ،
ذلك الكتاب لا ريب فيه ، هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب. (سورة البقرة آية: 1-2)
إن
العلماء الذين قد تنور باطنهم بنور الإيمان واليقين و تجلت أرواحهم بالعلوم القرآنية قد قالوا عن
تفسير الآية الكريمة أن من ليس لهم يقين كامل بالقرآن الكريم و هداياته التي تشتمل
عليها لايهديهم القرآن الكريم إلى الصراط المستقيم. وهذا هو القانون الذي يروج و
يعم في حياتنا الكافة فإنه لايمكن لنا أن نرى شيأ مادمنا نتوجه إليه تماما.
رجل يقف
أمام شجرة مظلة ولا يتيقن وجوده فلا يمكن له أن يراها. ولكن إذا يتقين بوجوده و
حقيقته فيأتي الجميع أمام أعينه و هذا هو القانون الذي سائر في عالم الغيب. فإن
الإنسان لابد أن يشاهده أولا ثم يمكن له أن ينظر إليه.
المثال:
نسافر من
مدينة إلى أخرى و نتيقن أولا بوجودها ثم نصل إليها و نرى جميع أزقتها و شوارعها و
طرقها. ولكن لو لانتيقن بالمدينة و وجودها فلا يمكن لنا أن نرى أي شيء لها. و هذا
هو القانون الذي سائر في عالم الغيب. فإنه لولم يكن لنا مشاهدة الغيب لايمكن لنا
الدخول في عالم الغيب والوصول إلى الذات الكريم. و هذا هو القانون الذي يجري في
العالم الروحاني.
المثال:
كل طفل
يتيقن بما يقول له والداه و يستفيد بنصائحهما. و التربية تتأثر في الأولاد بقدر ما
تتيقن بأقوالهما و تعمل بما ينصحان لها.
و يعلم
طالب العلم الروحاني المسافر إلى طريق
العالم الماورائي جيدا أن الحياة تجري طبق اليقين فحيثما يكون اليقين تجري الحياة.
و إن من تجاربنا أن أن كل طفل يستعد
للحصول على حاجياته الغذائية من أكمل وجه فإنه يظهرها بكاء و
بعد ذلك عندما يتولد فيه قوة الوعي والشعور فإنه يعرف أولا الأقرب منه في المجمتع
الإنساني و هي أمه و من أكبر وسائل المعرفة لدى الطفل هي القوة الشامة فإنه يعرف
أمه بقوة شامته و تزداد قوة الشعور فيه
شيأ فشيأ بمضي عمره و ازدياده حتى ينشأ فيه اليقين و يعمل كما يعمل أبواه و يقول كما يقول والداه
فإن قال والداه "الماء" للماء فلا ينكرعلهما بل و إنه أيضا يقول إنه هو
الماء وليس شيأ آخر ، و ذلك يعنى أن الطفل يتيقن و يؤمن بما يقول له والداه حق
اليقين. و بعد أن يترعرع الطفل في حضن أبويه
يأتي إلى المدرسة هناك أيضا تعمل قوته اليقينية فإذا يقول له الأستاذ عن خط
مستقيم بأنه "الف" فيتقيقن أن الخط المستقيم" هو الألف. و ليس هناك
أي مثال يفيدنا بأن أحدا من الأطفال قد أنكر على ذلك وقال إنه ليس بألف بل هو
الياء أو غير ذلك. والقانون أن اليقين هو الشيء الأساسي للدخول في العالم
اللاشعوري كما هو الأمر الواجب للعالم الشعوري.
أين يكون
اليقين؟
حيث ما
يكون اليقين يقال له "أنا" (internal ego). و أصل
أنا أو الذات هي صفات الخالق سبحانه تعالى التي قد ربطت جميع أفراد الكون
حواسها بعلاقة واحدة.
المثال:
إن ترمي حصاة في بركة تبدو حلقات كثيرة على سطح البركة تبتدأ من وسط البركة و تدور حول جميع جوانب
البركة الأربع. و تكون الحلقات كثيرة بحيث لايمكن إحصائها.
و كل موج
من البركة عبارة عن شكل نوع. و اسم ذلك الشكل نوع في جانب و فرد في جانب آخر. و
لما رمينا ححارة في البركة تحركت الموجات في شكل الحلقات فيها. فالموجات التي تبرز
على سطح الماء هي شعور الفرد و الموجات التي تخفي في البركة هي لاشعور الفرد. والبركة هي شعور الكون الجماعي. و إذا اعترفنا أن جميع الموجات التي تبدو على سطح
البركة هي أفراد الكون فعلينا أن نعترف بأن جميع الكون مربوط بعلاقة مخفية و هي ماء
البركة.
المثال:
و إذا
ينظر الإنسان إلى الشمس فيشعر بأنه يعلمها.
و و يُخَيَّل إليه أن الشمس هي فرد من أفراد الكون. و هناك علاقة مخفية بين
الإنسان و الشمس وإن لم تكن مرئية. و ذلك لأن الإنسان يشعر بالقرب من الشمس عندما
ينظر إليها و لايشعر بأنه ليس له علاقة بالشمس و هذا هو الشعور الذي يعرف لأجله
بعض أفراد الكون البعض.
خواجۃ شمس الدين عظيمي
إن
الزمان والمكان قسمة متعددة للمحة واحدة و قسمة اللمحة هي الإطلاع الذي يرد على
الدماغ الإنساني و خياله في كل حين و آن. و بما أن مصدر هذه الإطلاعات هي العلوم
الروحانية فيجب على من كان لهم يد طولى فيها أن يتفكروا في علوم القرآن
وإلا فلا يمكن الحصول عليها و سوف تبقى المساعي المبذولة عليها بلاجدوى.