Topics

عالم الغيب

الصلاة عبارة عن عبادة يعترف فيها بعظمة الله تعالى وكبريائه، وربوبيته وحكمه. و كتب الصلاة على كل نبي وأمته. ويقترب العبد إلى الله تعالى بإقامة الصلاة. والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. وإن الصلاة وسيلة تضمن المركزية الذهنية لله تعالى . والصلاة تورث التركيز الذهني (concentration).

وأسكن إبراهيم ولده إسماعيل في واد غير زرع من مكة وعلل ذلك بقوله:

(رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ) [إبراهيم/37] أي ليكونوا على صلة بك.

ودعا إبراهيم لذريته فقال:(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا )[ مريم/40]
وينص القرآن ـ عن لوط وإسحاق ويعقوب والنبيين من ذريتهم على:(
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاة) [الأنبياء/73]

وقال لقمان لابنه وهو يعظه:

(وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاة) [لقمان/17]

وقال الله تعالى لموسى :

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه/14]

وأمر موسى وهارون وبني إسرائيل معهم بـ

(وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ) [مريم/31]

ويشير خاتم الكتب السماوية القرآن الكريم إلى أن اليهود والنصارى في العرب كانوا يقيمون الصلاة فقال:

(مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) [آل عمران/113]

وقال:( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ

الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف/170]

وحين يصل العبد حباله بحبال الله تعالى، فإنه ينفتح الباب على دماغه. ويدخل منه إلى عالم الغيب، ويطلع على أحواله.

ويترتب على التفكر في معاني الصلاة ومفاهيمها ووظائفها أن الصلاة تعيد الصلاحية الذهنية (concentration). فيخرج الإنسان بالهدوء الذهني من الكيفيات الشعورية إلى الكيفيات اللاشعورية. وهل تعني المراقبة إلا أن يصرف العبد ذهنه عن كل شيء، ويخرج من عالم الشعور إلى عالم اللاشعور، ويتعرف على عالم الغيب. فإذا أقام العبد الصلاة و انعقدت علاقته مع الله تعالى. فإن صلاته كلها مراقبة.

وإنما يؤمر بهذه المراقبة لانصراف الذهن إلى الصلاة، وعقد العلاقة مع الله تعالى، و السجدة الحضورية لله تعالى .

اجلس ـ بعد الوضوء وقبل إقامة الصلاة ـ جلسة مريحة متوجهاً إلى القبلة، وصلِ على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً،وهلل ثلاثاً،واغمض عينيك.

و استمر ما بين دقيقة إلى ثلاث دقائق على تصور أن:

"إن الله تعالى على عرشه، والتجليات تنزل، وأنه ـ المراقب ـ تحت العرش".

ثم يقوم إلى الصلاة.

وحين ينصرف المرء إلى الصلاة عن كل ماحوله كما في المراقبة، فهي مراقبة قيام الصلاة.

والقرآن كلام الله تعالى، فيه الحقائق والمعارف التي أنزلها الله تعالى بواسطة جبرئيل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم. وما من كلمة من كلمات القرآن الكريم إلا تخزن الأنوار والتجليات. وإن كانت المضامين الغيبية ـ فيما يبدوـ في ألفاظ عربية، إلا أنها تكنُّ وراءها عالماً موسعاً من التمثلات والمعاني. ويحاول التصوف والروحانية أن تتم مشاهدة التمثلات النورية للألفاظ بعين الروح، ليتجلى القرآن الكريم بكل ما يتصف من الجامعية و المعنوية. ولم يغفل القرآن الكريم الإشارة إلى هذه الحقيقة، والإرشاد إلى تحصيلها.

فإذا قرئ القرآن الكريم ـ سواء في الصلاة أو في قيام الليل، أوتلاوة في غيرهما ، فليتصور المرء أن الله تعالى يخاطبه بهذا الكلام، وأنه يسمعه بواسطة الملأ الأعلى. ويتخيل حين هذه التلاوة أن الرحمة الإلهية تكشف عليه التمثلات النورية للألفاظ.

وحين يتلو المرء القرآن الكريم بهذا الانصراف الذهني (المراقبة) فإنه ينهمك في النسبة التي نزل بها القرآن الكريم. وحين يكرر المرء هذه النسبة فإن قلب المرء يورث علاقة الملأ الأعلى. فإذا تلا القرآن الكريم تجلى عليه العالم النوراني من المعاني والمفاهيم كلما ازداد ت مرآة قلبه صفاء.


المراقبة

خواجۃ شمس الدين عظيمي

 السؤال عن الإنسان حقيقته ونطاق قدراته أصبح يحتل أهمية كبيرة في هذا العصر العلمي. و العلم بسنة الخلق يفيد بأن ابن آدم يتشكل آلافاً من التشكلات، وهو فيما يبدو تمثال من طين ، وعبارة عن كيان من اللحم والجلد والدم والعظم، قائمٍ على الحركات الميكانية. ويعمرداخله عالَمٌ كيماوي بأسره. وإن حياة المرء تعتمد على الاطلاعات والبلاغات، وليس المرء إلا خيالاً و تصوراً . وكل حركة صادرة منه خاضعة للخيال والتصور. وإن جميع المآثر في العالم الإنسان يدور رحاها حول قوة غير مرئية من الخيال والتصور والتخييل. وإن ابن آدم يُلبس الخيالَ أنواعاً مختلفةً من المعاني، فيتجلي منه كل جديدٍ وحديث من المظاهر.