Topics

الأحاسيس اللطيفة

وبالمراقبة ترتفع في الإنسان ذخائرمن الأنوار والتيارات التي تقضي على جذب الثقل ، فيمر الطالب ـ بفضل هذه الأنوار ـ بكيفيات لاثقل فيها. فمثلاً ينتفي الشعور بالوزن في المراقبة والمشي والسيروالقعود والاضطجاع. وربما يجد المرء نفسه مكوناً من الأنوار، ويتعلق الجسد في المراقبة بكيفية اللاوزن. ويرى نفسه طائراً في جو السماء، ويرى الألوان المتنوعة فاتحاً عينيه أو مغلقهما. ويشعر بشرار النور(spark) في الدماغ، والطنين في الجسم، ويشعر بالتيارات البرقية مندفعة. وقد يهتز الجسم بسبب شدة الأنوارو هجومها. ويشعر بهدوء وطمانينة إلى أقصاهما. وتزداد قوة التفكير والبت في المسائل والقضايا. وهذه الكيفيات والواردات وأمثالها تشير إلى تلون في نظام الأنوار، وزيادة القوى الروحانية.

۞ أغمض العين للمراقبة فأرى في نواحي النواظر أنواراً بيضاء كاللبن تنتشر. وفي الوقت نفسه ـ أي في المراقبة ـ تمر الخيالات وتنقضي. وربما يطرأ شبه النوم، وأحياناً أتصور الله سبحانه وتعالى فحسب. وأرى في المراقبة أنواراً ذات ألوان أخرى، من زرقاء وحمراء وخضراء و غيرها.وحين تهجم الهموم والخيالات أردد في قلب: "يا حي يا قيوم".وتحدث أوضاع عديدة بعد المراقبة. فيثقل الجسد حيناً ويخف حيناً. وقد لاأشعربجسدي أين هو؟ قد يرتفع جسدي إلى العلو، وقد أجد في دماغي همساً، وتترتب كيفيات أخرى أمثالها. وتحيط تيارات سارة بالدماغ في المراقبة. ويطرأ السكر على الدماغ، فأنام في الحالة نفسها. وأحيانا تتخلل ذلك كيفيات شبيهة بالنوم. وذات مرة ارتفعت في الطيران،وذهلت عما ورائي وأمامي، وأود أن استغرق في المراقبة استغراقاً يشق علي تردد الأنفاس. وأتصور الأستاذ المحترم في هذه المدة. وقد أنام حالة المراقبة. وأسيح في أمكنة مختلفة. وهذه المناظر تبلغ من الحسن مكانا يفوق الوصف والإحاطة. وعلى كل تستمر مثل هذه الكيفيات.

۞ رأيت في المراقبة نقطة من النور الأصفرالمائل إلى الخضرة. ثم شعرت بأني أنا سرير يتحركان. ثم رأيت للحظات عن يميني شيئاً مدورا أشبه بالعين في طرف العين. وما أن بدأت المراقبة حتى أشعر بثقل في الرأس، والعاتق بعض الثقل. و وجدت انجذاب الجسد إلى الأعلى. ومثلت ظلال سوداء أمام ناظري. ورأيت مرة لوناً أحمربعض الشيء .وشعرت بأن شئياً يمر بالظهر وينتهي إلى الجهة الخلفية من الرأس. ووجدت تحول سارا في الجسم. كأن شيئاً يجذبني إليه. (مصباح الدين)

۞ راقبت نحو عشرين دقيقة. فنشأ التصورحالاً. وشعرت بأن سائر أجزاء الجسد يسقط عليه قطرات المطر، وأما الرأس فكأنه نشأ فيه الحفر لشدة وقع المطر. واستغرقت في هذا الخيال استغراقاً جعلني أجد جسدا لاحراك به . رأيت في جانب الشمال بوابة عظيمة، يشع منها نور أبيض .وهذا النور يقع على جسدي، ثم يهطل أمطار الأنوار، وشعرت بهذه الأمطار على الجانب الأيمن من جسدي. إذ ارتفعت سرعة الأمطار، ووقعت علي الأنوار بشدة شعرت معها بهزة في جسدي.

۞راقبت بعد صلاة الفجر، رأيتني نوراً محضاً، وتكونت هالات من النور تلقائياً. و بدأ النور ينفجر، وفهنا جسدان: أولهما أنا الذي أشاهد كل ما يحدث، والثاني وهو نورمحض.

هذا، وأجد في نفسي تحولات عديدة، وهوأنه لايريد أحد أن يخاطبني إلا عرفت ذلك مسبقاً، كما أطلع على ما يريد أن يقول لي. والثاني: أني إذا ما أردت أن يلتقي بي فلان أو ينبغي أن ألتقي به، فإنه يلتقي بدون محاولة وجهد أي يلتقي بي في الطريق وقد يلتقي بي لحاجة من الحاجات. والثالث: أنه إذا ما يحدث حدث له شأن فإني أشعر بالقلق عليه.(محمد أسلم كوهرـ منغلا ديم)

إدراك:

وتقل كيفية النعاس بمواصلة التمرين على المراقبة، والنعاس يعود إلى أن الشعور لايقوى على الأنوار الآتية خلال المراقبة، فيطرأ عليه الغفلة. وحين لاتغلب كيفيات النوم على الشعور، ويهدأ الذهن، فإن البلاغات الباطنة تصل.

يشعر الطالب بالواردات والكيفيات الروحانية على سطح الإدراك. والإدراك خيال يتصف بالملامح رغم أنه لطيف. ويلامس طيران الذهن تلك الملامح، فمثلاً: حين ينطق المرء باسم التفاح، فإن صورة التفاح تتمثل في الذهن لامحالة. وهذه الملامح التصويرية ضئيلة إلى حد أن النظر لايشاهدها، إلا أن الإحساسات تحيط بها. وربما تصل البلاغت الخافية متمثلة في البلاغات. ولايشتد الصوت إلا أنه يشرح البلاغ أو المنظر إلى حد ما.

ما أن بدأت المراقبة حتى هدأت نفسي وشعرت بأن تيارات الخيال تدخل في الآذان. وما أن ترد صورة إلى الذهن حتى أسمع صوته. ( محمد سليم)

سمعت خلال المراقبة ضجة مثل  أمواج البحر العاتية التي تلاطم الساحل وتضج ضجيجها. ثم سمعت ـ بعد أيام ـ خلال المراقبة صوت من يحدث. وهذه الأحاديث لاتسمع كما نسمع الأصوات في معظم الأحوال بآذاننا المادية؛ بل سمعت هذه الأصوات في  الدماغ. وذات مرة ناداني مناد خلال المراقبة، فسرعان ما فتحت عيني. ولم أجد منادياً ينادي. فعلم أن الصوت ليس من الخارج بل أزيز من داخلي (inner)

۞استغرقت اليوم في المراقبة استغراقاً إذ ضرب ضارب على عاتقي الأيمن، ففزعت ، وفتحت العين، نظرت ما حولي فلم أجد أحداً، فعدت إلى المراقبة. ثم جعلت أشعر بأن الجسد يرتعد كلما أتخيل جسدي. ومن غريب ما وجدت أن لا أشرب ماء إلا وجدت فيه بعض الحلاوة .كأن حس ذائقتي في داخل قد يتسرب إليها تحول، وقد أسمع في الآذان صفيراً.

۞راقبت وأقمت صلاة الفجر. وانصرفت في الصلاة انصرافاً كلياً. واشتد مرة التخيل بأن الله تعالى أمامي. فاقشعر لهذا الخيال جلدي. وتغلب علي هذا الخيال لوقت طويل. وشعرت خلال المراقبة بأن كلمة "ياحي ياقيوم" تخرج من لطيفة النفس.

انصرفت في المراقبة انصرافاً كلياً، ثم شعرت بأن أصعد في الخلاء، حتى وصلت إلى الذروة .وكلمة "الله أكبر" كانت تدوي ـ دوياً شديداً ـ في الذهن آنذاك. وبلغ هذا الدوي من العلو والقوة ما يفوق الوصف. فتغلب الخوف على الطبيعة بسبب الصوت. ورأيت بيت المقدس في كيفية خليطة من الخوف والدهشة، حيث يشتغل الناس في العبادة. فجعلت أنظر إلى قبة بيت المقدس. فهمس خلق خافٍ في أذني، ففتنتُ بهذا الهمس. وقال الهامس: ليس من الكمال أن تنظر إلى القبة، وإنما الحقيقة الأصيلة هي أن تتفكر في ذوات الأنبياء المباركة، وما عندهم من خزائن العلوم التي منحهم الله تعالى؟ وبالإمكان لكل واحد من بني البشر أن يستفيد من هذه الخزائن.

وقلقت قلقاً شديداً على هذا الصوت. وارتفع خفقان القلب، وخرجت من كيفية المراقبة. وتصبب الجسد عرقاً (كمال)

الورود:

يتعمق الإدراك حتى يتحول إلى النظر. وتتمثل البلاغات الباطنة متمثلة في الملامح التصويرية . ويطلق على هذا الكيف "الورد"، ويبدأ الورد حين يخف غلبة النعاس بالإضافة إلى الهدوء الذهني. وما أن تحدث المركزية الذهنية حتى يتحرك نظر الباطن. ويتراءى منظر من المناظر أمام النواظر. وبما أن الشعور لم يتعود هذا النوع من الرؤية فإن المركزية الذهنية تحدث متقطعة ، ثم تنقطع. وبعض المناظر التي ترى، تكون محفوظة وبعضها تقع في خزانة النسيان. و يتعود الإنسان مع الأيام كيفية الورد، ولاتنقطع الواردات والمشاهدات خلال المراقبة. وربما تتعمق المشاهدات تعمقاً يجعل المرء يجد نفسه جزءاً من الواردات . وتأخذ المشاهدات في الترتيب، وينكشف المعاني والمفاهيم في الذهن.

۞تحسنت كيفية المراقبة بالنسبة إلى الأسبوع الماضي. وتعمق التصور، وتحقق الانصراف. وأهم شيء أن العبادة تحققت فيها الانصراف والهدوء، وتتركز العيون في مكان واحد.فيستقر النظر، ويتعمق التصور أكثر، وتبدأ العين الباطنة في النظر، وتتمثل المقامات المقدسة خلال العبادة. وتخلصت من الشعور بالنقص إلى حدما . وتحقق الثقة بالنفس واليقين. وانصرف الذهن اليوم طوال النهار. ولايتجه الخيال إلى شيء إلا تمثل ذلك الشيء أوذلك المنظر أمام الناظر. وقد نفى الذهن الفاصلة نفياً جعل الأرض كلها والبلاد كلها والمدن كلها على بعد مسافة القدم. ورأيت كراتشي ولاهور وغيرهما جميعاً، ونشات سعة وحدة غريبة. (إحسان الله ـ سوات)

۞رأيت في المراقبة أشياء مختلفة. ويزداد الشعور بالحرارة معها، حتى أصبحت لاأصبر عليه . وعليه نقصت من وقت المراقبة. ورأيت في المراقبة أن ثمة جسماً من نور على مسافة قليلة من الجسد. ولايزداد الخيال عمقاً إلا ازداد جسم الأنوار لمعاناً. ورأيت القلب ـ كذلك ـ يلمع نوراً . ومازلت أشعر بأن علي ناصيتي عيناً جميلة. وشعرت خلال المراقبة بأن عين ناصيتي أنارت، وأنا أنظر بهذه العين. ولا أنظرإلى شيء إلا تحول إلى مجموعة من الألوان المختلفة. (وقار أحمد)

۞وفقدت الشعور بالجسم المادي لزيادة الانصراف الذهني خلال المراقبة. وأخذ الجسم المثالي يتجلى. وشعرت بأن الجسم يحوي الكون. ويخرج التيار البرقي من أصل الظهر ويدور في الجسد، إذ شعرت بهزة، وانفصل الجسم المثالي عن الجسم المادي. ورأيت أمامي خلاء عظيماً، والجسم اللطيف يطير على أكتاف الهواء.

ويخرج من الجسم المثالي تيار مثل الشعاع، تراءى لي كل شيء في الخلاء من أجله واضحاً .(محمد أسلم)

الإلهام:

ومن الناس من يسبق سمعه الباطني نظره الباطني في العمل. ويسمع المرء الأصوات وراء الصوت حين ينشط السمع. وتتمثل الخيالات في الصور في أول الأمر، ثم يسمع الأصوات المختلفة المسجلة في الفضاء، حتى يتقوى شعور الإنسان قوة تجعله لايتجه إلى جهة إلا دخلت شؤونها الخافية والحالات المستقبلية متمثلة في الأصوات إلى سمعه. وعندما يتكرر هذا العمل يبدأ النظر في العمل بالإضافة إلى الصوت. وتتمثل الملامح التصويرية أمام النظر. ويطلق على هذه الكيفية " الكشف".

ولايتحق الكشف بالإرادة في المراحل الابتدائية، وإنما يفاجأ بأمر من الأمور يرد على ذهنه عن طريق التخيل بواسطة الصوت أو بمعرفة المنظر المصور.

مثال:

أنت قاعد في البيت ، إذ تتخيل صديقاً من الأصدقاء ثم لايمضي إلا قليل حتى يصل إليك ذلك الصديق. والوجه الثاني: أن يرد البلاغ إلى الذهن بالصوت. والثالث: أن يتمثل لك منظر قدوم الصديق.

وترتقي صلاحية الكشف بالمرور بمراحل ـ إلى الشهود. فيصاحب العمل الإرادة. فيقدر الإنسان على معرفة أمر من الأمور أو حدث من الأحداث بالإرادة والقصد.

وتأتي على كيفية الكشف مرحلة تنشط فيها الحواس الظاهرة والباطنة. ويقوى ذهن الطالب على رؤية العالم المادي والروحاني معاً. ولايستلزم حدوث هذه الكيفية أن يغمض المراقب عينيه قاعداً في مكان إلا أن هذه الكيفية غير اختيارية. قد تطرأ عليه مشياً وقياماً وقعوداً وتزول تلقائياً. وقد تطرأ هذه الحالة في اليوم مرات. وقد لا تطرأ أسابيع. ويطلق على هذه الكيفية " الإلهام".

حقيقة الوحي:

قال تعالى في سورة آل عمران: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) [آل عمران:44]

وتعريف الوحي ـ في ضوء الآية السابقة ـ أنه من الله تعالى . والوحي نور يتضمن أنباء الغيب .وهذه الأنباء قد تتعلق بمامضى، وقد تتعلق بصور المستبقبل. فقد أطلع الله تعالى الأنبياء على القصص السابقة والحالات المستقبلة. وأما أن يتدخل شعور عبد أوإرادته في الوحي فلا ، وإنما يعمل فيه تفكر الله تعالى فحسب.

قال تعالى في سورة الأعراف: (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) [الأعراف/203]

وقال في سورة الشورى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) [الشورى/51ـ 52]

تناولت الآيات وجوه الوحي وأنماطه كلها. وجعل الله تعالى الوحي كلامه . وينزل كلامه تعالى على خلقه بصور مختلفة: بالوحي أو من وراء حجاب. كما تجلى على موسى. فقد تجلى الله تعالى لجبل الطور. وكلم موسى الله تعالى. وهذا الوجه من الوحي هو ما يطلق عليه "من وارء حجاب". وشكل هذا التجلي الحجاب بين الله تعالى وبين موسى. فلم يره موسى عليه السلام. وإنما رأى الحجاب، وسمع كلامَ الله تعالى من وراء الحجاب. وأوحي إلى الأنبياء بالرسل ـ أي بجبرئيل عليه السلام ـ وانقطع الوحي بعد الأنبياء. وأما أنماط الوحي الفرعية من الكشف والإلهام والإلقاء فمستمرة. وإليه يشير قوله تعالى :( ما كان لبشر). واستخدمت هنا كلمة "بشر"، دون "رسول" أو "نبي"، لأن المعنى أن البشر العادي بإمكانه أن يصل إلى الله تعالى بوجوه الوحي الفرعية. ومن هذه الأنماط الفرعية: الكشف والإلهام والإلقاء بجانب الرؤيا الصادقة. وأفادت سورة النحل بأن الله تعالى أوحى إلى النحل. والوحي إلى النحل يدخل ضمن أنماط الوحي الفرعية، ويختلف عن نمط نزول الوحي على الرسول. والنمط الخاص بنزول الوحي على الرسل انقطع مع انقطاع الرسل غير أن كلام الله تعالى وحكمه، وتفكره مستمر في النزول على الخلق، وسيستمر مستقبلاً.وهذه هي أنماط الوحي الفرعية.

الله تعالى نور. وكلامه نور، والله تعالى أقرب إلينا من حبل وريدنا، ورغم ذلك لاندركه بحواسنا وشعورنا. وهذا يعني أن الوحي ـ الذي هو كلام الله تعالى ـ يستلزم أن يتقو ى الشعور مسبقاً على استيعاب هذا النور. وبناء على تقوي الشعور توزع الوحيُ على أنماط مختلفة. والأنبياء تلقوا تربيتهم من الله تعالى مباشرة، فيتقوى شعورهم قوةً تجعلهم يقدرون على نقل أنوار الوحي مباشرة إلى لطيفة قلوبهم . ولطائف الروح عن المراكز والنقاط التي تتجمع فيها الأنوار. ودائرة اللطيفة القلبية والنفسية هي المركز الذي تتجمع فيه الأنوار الدنيوية، أي أن هذا المركز يختزن الأنوار المادية في الأوضاع العادية. وأما الأوضاع الخاصة فإن هذه المراكز يقدرعلى اختزان النور والتجلي. ويمكن رفع قوتها وزيادتها بالإرادة . ولاتنتقل الأنوار مالم تتقوَّ على استيعاب النور. فالكأس المملوءة ماءاً لايسع مزيداً من الماء. والأنوار التي تنتقل إلى الشعور قادمة من اللاشعور. واللاشعور هو إدراك الروح. وهذا الإدراك يعمل في النور و التجلي. كأن الروح الإنسانية تحمل ثلاث عدسات للنظر (lens): عدسة تعمل تعمل في العالم المادي. ويعمر العالَمون هذه المناطق الكونيةالثلاث (zone). ويسري نظام أسماء الله تعالى في كل منطقة. وتقوم المقاديرالمعينة من تجليات الأسماء الإلهية بجميع أنظمة الكون. وتعمل مقاديرمعينة من التجليات في كل منطقة. ويقوم نظام الكون وفقاً لتعيين هذه المقادير. ونظام الكون مركب من القواعد والصيغ. و يمكن رؤية هذه الصيغ والقواعد عبر عدسات التجلي. كما يمكن رؤية الصور الباطنة للأشياء المكونة من هذه الصيغ عبر عدسة النور. ويتراءى الجسم الظاهرمن الشيء بالعدسة المادية. وعليه يوجد الشيء في ثلاثة عوالم: التجلي والنوري والمادي أي أن الكون يشمل ثلاث مناطق: منطقةٌ تتمثل أمام نواظرنا دائماً وأما المنطقتا ن الأخريان فتخفيان عن أنظارنا دائماً.

والمناطق الخافية عن النظرعبارة عن لاشعورنا. ونظر الروح الذي يعمل في اللاشعور، والإدراك الذي  في طبقات الروح، يرسل الأنباء إلى الشعور المستقبل بشكل مستمر. ويتحرك كل طبقة من طبقات الروح بإمرمن الله تعالى. فينتقل نبأ تلك الحركة من اللاشعور إلى الشعور. وعليه أطلق "أنباء الغيب". و الأنباء التي تنتقل من طبقة التجلي يطلق عليها "الوحي". ويشاهد مكانة الكون النزولية بالتفكر مباشرة في نطاق التجلي. ورزق الله الروح علوما تخليقية. وحين يمر التجلي بلطائف الروح فإن فكر الورح يصوغه في صيغة التخليق. وهذا الوجه يتأتى في النور والأضواء. ثم يتراءى متمثلاً في الجسم المادي للأنظار. وحين يتفق الشعور واللاشعور سرعة، أي تتحرك دوائر الروح الثلاث فإن المسافة بينها تتلاشى . وتنزل التجليات مباشرة على الشعور. وحينذ يغلب شعور التجلي . ويقهر التفكر في الله الشعور العبد . والأنبياء يعمل فيهم إدراك التجلي المفرط في اللطافة. ويعرفون التفكر في الله تعالى بإدراك أرواحهم. ويتغلب عليهم حواس الروح اللطيفة ويعيشون في الحياة المادية ـ كذلك ـ بحواس الروح. وليس التجلي ذات الله تعالى في الواقع، وإنما هو انعكاس ذاته. والتجلي حجاب الله تعالى. ولايسع أحداً أن يرى الله تعالى بدون هذا الحجاب. ويستحيل وصول بشر إليه . والكون خلق الله تعالى. ولايضفي نظر الروح الصورة التخليقية على كل شيء، ولايدرك اسمه ولايتم معرفته. والروح من أمر ربي. وروح الله تعالى ينشر الأمر في كافة العالمين. وتتلقى الروح ـ أولا ـ ماهية أمرالتجليات. كما أننا يدخل البرنامج في الحاسوب الآلي أولاً، وهو عبارة عن مجرد الأرقام والألفاظ  أي الصيغ. والآلة الداخلية في الحاسوب يضفي عليها صورة تخليقية. ثم تتجلى هذه الصورة على الشاشة. فيُعرف الشيء بكامل صورته وشكله. والتجليات التي تنزل من الله تعالى على الروح، تستوعبها دائرة التجلي في الروح، وهذه التجليات عبارة عن مقادير معينة من تفكر الله تعالى . ومقدار الكون لابد له من صيغة. والروح تبرز ماهية هذه الصيغة. أي يتجلى باطن التخليق. ويحتضن ذلك أنوار الأسماء الإلهية وكافة تفاصيل حركاتها ونظامها. ثم يتكون جسم الشيء في دوائر الأنوار. ويقوم هذا الجسم بحركاته وسكناته وفق البرنامج الذي تم تغذيته.

وحقيقة الوحي هي أن الشعور تنزل مباشرة عليه تلك التجليات التي تنزل من الله تعالى على الروح . والروح تقوم بنقل هذه التجليات كما هي. والشعور يُلبس هذه التجلياتِ المعانيَ بالتفكر فيها. و تساوي سرعة الشعور وسرعة اللاشعور حين نزول الوحي. فلايختلط بكلام الوحي أنوارُ الخيال الدنيوي. وإن كان الوحي قد انقطع بعد الأنبياء إلا أن أنوار علم النبوة مازالت مستمرة في الدنيا. فكلام الله تعالى والكتب السماوية بين أيدينا. فإذا استن العبد بسنة الأنبياء وتأسى بأسوتهم الحسنة،فإن أنوار تلك العلوم تخزن في تلك الروح. وأوحي الله تعالى إلى الأنبياء فنبه شعورهم تنبيهاً عرفوا به حركات روحهم. وعرفوا ذات الله صفاته بذواتهم أنفسهم. فمن استن بسنة الأنبياء تحقق فيه تفكرهم. ويحصل على العلوم الإلهية بواسطة الأنبياء. ويطلع على حقيقة نظام الكون.

الكشف:

۞أغمضت العين في جلسة المراقبة فأومضت الأنوار، وتراءت مختلف الأشياء. وسمعت أصوات غير واحد من الأقرباء. وبلغت هذه الأصوات من الوضوح حدا انطلق معه الرد من باللسان ذات مرة. ورأيتني في المراقبة أخرج من نفسي، وأصعد إلى السطح، ففزعت وفتحت العيون، ونظرت إلى السطح . فرأيت لثوانٍ ـ هيولى تصعد إلى السطح.

۞رأيت في المراقبة الروضةَ النبوية على صاحبها الصلاة والسلام ـ ثم رأيت جبلاً، وفيه سفحه بستان جميل. والخضرة ممتدة إلى أقصاه. والمنظر رائع جداً. واستغرقت في المراقبة استغراقاً أذهلني عن الدنيا وما فيها. نفضت ذهني مرة، فشق على الصدر الحركة الناشئة من التنفس الفاتر. وخيل إلى بعض الأصدقا ء في المراقبة. فكأنه ماثل بين يدي. وكنت أراه واضحاً. وخطر ببالي الأقارب. وسمعت أصواتهم واضحة. فسألتهم في اليوم التالي فقالوا: كنا نتحدث في البارحة هذه الأحاديث.

۞قمت لصلاة العشاء فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يؤم الناس. فقمت في الصف وراءه تماماً. وعن يميني حضرة قلندربابا وعن شمالي "باباحاجي" (حضرة خواجه  شمس الدين النظامي)، وقام في الصف الصفوةُ من الأديان الأخرى. ولم أزل أرى ذلك وأشعربأن جسد الرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفجر نوراً وينفذ إلى داخلي. وكنت أرى ـ بشكل مستمر ـ وجه الرسول صلى الله عليه وسلم واضحاً في ضوء نوره، رغم أني كنت وراء ظهر. وكان صلى الله عليه وسلم في لباس عربي. ورأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نيراً جداً. ورأيت هالة من أنواره صلى الله عليه وسلم  حوله. و كنت وراءه صلى الله عليه وسلم تماماً. فكان نوره يصيبني مباشرة . وكنت متوجها بكليتي إليه .فلم أر صورالقائمين حوله صلى الله عليه وسلم.

ورأيت أني مخلوق من نور، وجسدي نير جداً، وأنا جالس في فضاء لايحيط به إلا الأنوار. وجدتني قاعدةً في كيفية المراقبة تماماً في هذا الجو النوراني، يسودني السكوت. وكنت أحملق بعيني المفتوحتين إلى الفضاء أمام ناظري. والذهن صافٍ كالورق الأبيض وهادئاً. ثم رأيت كأن نوراً ساطعاً تراءى لي. ونفذ إلى ناصيتي. (سعيدة خاتون)

۞كنت في الساعة الثامنة والربع قاعدة في غرفتين الأمامية، إذ برز في الجدار الأمامي دائرة قطرها نحو قدم ونصف، من نور أبيض. يسيرمن جانب إلى آخر ثم يعود، ويبرز من جديد حيث ظهر. و كانت الغرفة مضاء بمصباح طولي. ولكن نور الهالة كان أشد من نور المصباح . واستمر ذلك حوالي عشر دقائق ، إذ برزت صورة عقب هذا النور. وكانت الصورة أشد ضياء من النور السابق. واستمرت هذه الصورة نحو خمس أوست دقائق. فبيقيت شاخصة ببصري حيران، أنظر إلى هذه الصورة النورانية. و ذهلت عن الدنيا وما فيها. فلما اختفت هذه الصورة النورانية من الأنظار، شعر دماغي بهزة، وخُيِّل إلي أنه "حضرة بابا قلندر". وكان وضع الصورة النورانية نفس وضع "بابا قلندر أولياء". فسكبت عيناي الدموع على الفور. وأصبحت في وضع يفوق الوصف. وارتفع خفقان القلب ارتفاعاً كأنه يخرج على الفور . (ريحانه)

۞فجأةً شعرت بأن جسداً يخرج من جسدي، ثم أخذ في الصعود إلى ذورة السماء عبر النافذة . وكان على الجسد ثياب نوراني أبيض. وبدا الجو كله مليئاً دخاناً أبيض. وعبر الجسد الروحاني سبعة طرق، كلما ازداد الجسد علواً يعود الجسد أروع، والنور يغمر كلَّ مكان. وهذا الجسد يبدو قلقاً بعض القلق، إذ رفع  ذلك النور رأسه ونادى: الله يعنيك. فلما سمع هذا النداء جسدي الروحاني، تمشت الرعدة إلى جسدي المادي. وخفق القلب خفقاناً. ثم سمعت صوت "الله أكبر"، وانحنيت. ثم سجدت، و وددت أن استمر ساجداً طوال الحياة، ورأيت ملائكة كثيرين مصطفين في صفين بأدب واحترام، وجهاً لوجه، وبينهم مسافة تقدر بخمسة أوستة  أقدام. فتخلل جسدي الروحاني بينها، فما أن نظرت أمامي حتى تمشت الرعدة في نفسي.

۞غمضت عيني وجلست للمراقبة، فشعرت بعد لحظات بأني خرجت من جسدي المكون من اللحم والجلد. وأنا على روضة النبي صلى الله عليه وسلم. فما أن طرأت عليه هذه الكيفية حتى بدأت أردد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فشعر جسدي وروحي بأن نوراً بارداً يخرج من الشبكة ويقع علي. ثم رأيت أني في الكعبة المشرفة، ثم أخذت في الطيران بعد لحظات إلى السماء، و مررت في الطريق بمختلف الناس، أعرف بعضهم، ثم أتدرج إلى مكان غير نافذ، ورأيت ثمة صفوف الملائكة. ولم أصبر طويلا على هذه الكيفية. ثم رأيت أني في حجرتي، كأن وجودي كله يستولي على الحجرة، ثم أنهي المراقبة. وهذا الوجود النوراني يبدأ سفره من جهة الغرب، وتوقفت عند البيت، فكأني أنا هو، ثم أمعن النظر فإذا الأحداث من الولاد إلى اليوم تتجلى كشريط فيديو، بما فيها ذكريات مرة ، و أفراح، وحسنات وسيئات كلها. ثم أمعن النظر فأرى شؤون المستقبل وأدرك بعضها بوضوح، وبعضها غير واضحة تماماً. وأرى هذا الوجود المثالي مربوطاً بشيء في أعلى السماء  بخيوط من النور. ولكن لم أصبرعلى رؤيته طويلاً ، ثم أنهي المراقبة (علي أصغر)

۞أرى المرشد الكريم حضرة بابا معي، يقول: تعالي أسير بك في السماوات. فنصعد ونصعد كثيراً، وأجسادنا خفيفة مثل الطيور. نطيرحتى ندخل السماء. ونمر في السماء بسحاب من النور الساطع. ثم يأتي فضاء شفاف. نرى فيه ماتحتنا بوضوح جداً. والمدن عامرة في الدنيا تحتنا. ورأينا الناس معظم فلاحين . هذه المنطقة خضراء جداً، وأنهار كبار شفافة جارية. وعمل الناس على شواطئ الأنهار حقولاً، وزرعوا فيها الخضراوات. وألقينا على ذلك نظرة ثم طرنا إلى الأعلى، ثم اخترقنا سحابا من الأنوار، ودخلنا فضاء شفافاً، يمتد البصرفيه إلى أمكنة بعيدة، ونرى بوضوح جداً. ورأينا القرى والأودية متناثرة هنا وهناك. ومررنا بنفس السحاب من الضوء والنور ودخلنا فضاء شفافاً. نمر بكل سحاب من ضوء ونور ونشعربأنه حدود السماء، فقلت للمرشد الكريم: أيها الوالد، كنت أظن أن بين السمائين حجاباً من حديد أو فولاذ. لايسع أحداً أن يدخله إلا بإذن، ولايقدر أحد أن يسترق النفوذ إليه .ولم أجد ثمة إلا أنواراً وما أيسر النفوذ في النور، فليس حاجزاً من الحواجز. فقال المرشد الكريم: السماء منتهى بصر الإنسان. وحين يدخل الشعور في حدود اللاشعور، فإن بصارة الشعور يزداد بتدريج، ويرى نظر الإنسان الباطن ما في عوالم اللاشعور أوالغيب. ولاحاجب من الله تعالى لرؤية  عوالم الغيبب إلا أن أنوار صفات الله المختلفة تعمل في العوالم التي تعمر حدود السماوات. وإنما لايسع نظرَ الشعور أن يعبر حدودَ السماء لأن الشعور يقف على علو الأسماء الإلهية وقوانينها. ويدخل في اللاشعور بشعوره و إرادته. ويشاهد عالم الغيب بدون حاجب بنظره الباطن. كل سطح من سطوح السماء مكون من أنوار الأسماء الإلهية، التي تدخل أضواؤه أوأشعته في هذه العوالم وتخلقها. وإنما يعجز النظر عن النظر فيما وراء الأنوار؛ لأن أنوار الأسماء الإلهية تتجمع في سطح السماء. غير أن العبد حين يفكر في ذات الله و صفاته، فإن باطنه يستوعب أنوار الأسماء الإلهية هذه. وتعرف هذه الأنوار نفسها على العبد. فيتعرف الشعور بهذه الأنوار. ووقوف الشعور هو نظره. وكلما يزداد العبد تعلماً للأسماء الإلهية في هذا العالم، يزداد باطنه جذباً للأنوار واستيعاباً لها. ويقف أعراف العبد بعد الموت في هذه الحدود. يعني أن العبد يمكث بحواسه الظاهرة وبنظره الظاهر في هذه العوالم" . ففرحت جدا حين سمعت ذلك من لسان المرشد الكريم "حضرة بابا". فقلت: "بابا"، إن الدخول إلى هذه العوالم، ورؤيتها والسيرفيها يستلزم أن يتلقى الإنسان العلوم الخاصة بها".

فقال حضرة بابا: "لايكفي تلقي العلم أوالمعرفة فحسب، ولن يدخل العبد هذه العوالم مالم يحقق صفات الأسماء الإلهية في نفسه. وعليه خلق الله تعالى سبع سماوات، ليتدر ج العبد في تلقي علو الأنوار العاملة في كل سماء واحداً بعد آخر، ويتدرج شعوره في استيعاب هذه الأنوار يوماً فيوماً. كل سماء مدارج لنمو الشعور. كل سماء يبرز سرعة الشعور المختلفة، أي أن الحواس الموجودة في الشعور حين تتحرك بنفس الحركة التي تعمل في العوالم العامرة في السماوات، وحين تستوي سرعة حواس العبد مع سرعة حواس المخلوق الذي يعمرعوالم  هذه السماوات يدخل العبد تلك السماء ويسير فيها ، ويتلقى علومها".

۞والعالم الذي ينتقل إليه الأرواح يطلق عليه "الأعراف". وأرى في المراقبة أن المرشد الكريم حضرة بابا وضع يده عليَّ كالمظلة . وينفجرسيل من الأنوار من أنامله وتنجذب إلى ذهني. فأنار لها الدماغ كله ظاهره و باطنه. وأصبحت أطيرفي الفضاء كالطير، ولكن كنت أرى يد حضرة بابا على رأسي كالمظلة . وكنت أحمد الله تعالى وأثني عليه وأشكر له وأذكره في قلبي حين كنت أطير. كما كنت ألقي النظرإلى الأسفل، والأمكنة التي كنت أمر بها. وقع نظري على الأسفل فتراءى لي أرض الأعراف. فقلت: هلا نسيح فيها. فنزلت على الأرض، فما أن نزلت حتى بدأت أسير في الشوارع وأنا أريد التجول ، والمدينة كبيرة جميلة. والحدائق متناثرة هنا وهناك. وأنهار وموسم رائع، وكنت أذكر الله وأشكره في قلبي. وفي الوقت ذاته مررت بقرية بها بيوت صغيرة، والناس محبوسون في بيوتهم رغم هذا الجو الرائع و رغم ألوان الطبيعة هذه، ونظرت إلى الداخل فإذا الناس كلهم في غرف مفردة ناكسي رؤوسهم، قد أنهكتهم الأحزان والهموم. كأنهم لايقوون على أن يرفعوا رؤوسهم ويلقوا نظرة على هذا الجو الجميل. فتنشرح لها صدورهم. ووجدت أن سوء حالهم يرجع إلى فكرهم في الدنيا. وخُيِّل إلي أن الله تعالى لم يحذرهم من الاستمتاع بمناظر الطبيعة الرائعة هذه. وإنما هم الذين حبسوا أنفسهم في هذه المقصورات. ولوخطوا خطوتين إلى الفضاء الصافي لسلى ذلك عنهم  الهمومَ والأفكار، وملأهم صحة وسروراً . و منهم من أعرفهم. فنصحتهم، ورغبتهم في الخروج، ثم تقدمتهم بعد هينهة . فإذا أنا بقرية متطورة جداً ، فيها أبنية مثل القصور الشامخة، وصور هذه الأبنية تنسجم مع علم الهندسة. وطُليت بألوان خافتة جداً . و هي رائعة للغاية. إذ رأيت رجلاً أعرفه، وكان توفي قبل أيام، ففرح بلقائي وقال: "يا عمة، كيف أنت هنا؟ وكان قد لبس بدلةً جميلةً جداً. وأنا بدوري فرحت جداً بلقائه. وقلت: لقد زرت في الأعراف نواحيَ بعثت في نفسي الهم والحزن بدلاً من الفرح والسرور. فنعم لقاؤك. فقال: تعالي، يا عمتي، أسيح بك في جنباتها. وأولاً آخذك إلى بيتي. فأركبني سيارةً، وقال: هذه  السيارة مما وضعنا تصميمها . وهذه  السيارة تشبه الأطباق الطائرة. وهي جميلة، تستغني عن المقود والتروس. وإنما هي بعض الأزرار أشبه شيء بالمصعد للصعود والنزول. فقلت: كيف تتحرك؟

فقال: يا عمتي، بمجرد تخيلك للمكان الذي تريدين قصده ينير هذا المكان الشبيه بالزر، ثم تنقلك هذه السيارة تلقائياً. وفعلاً حدث مثله. فتخيل، وأنار المصباحُ، وأسرعت السيارة. وتوقفت أمام قصرأبيض جميل. وكان تصميمه وفق مثلث علم الهندسة ومربعه و ما إلى ذلك إلا أنه كان رائع المنظر في الواقع . فطاف بي في البيت. ورأيت السيارات بها، وهي متطورة جداً. وقال لي: إن سكانها أذكياء جداً، وإن أهل الدنيا متخلفون منهم كثيراً، غير أنه ثمة قرى يعيش أصحابها عيشة بدائية. فقلت في نفسي: من أغلق على نفسه باب علوم الله تعالى تعالى في الدنيا يعيشون عيشة أكثر بؤساً وتعاسة حين ينتقلون  إلى هذا العالم. فإن السرعة العادية هنا عشرة آلاف ضعف مما في الدنيا على الأقل. وإن سرعة الذهن لايفوق إلا العلم. وتتفق سرعة العمل مع سرعة الذهن. وإن العيش في مثل هذه الحياة السريعة مما يتطلب اتصاف الذهن بمثل هذه النسبة، وإلا انحصر الإنسان في حجرته المنفردة. ولايجد من يرثى لحاله إلا نفسه. وحمدت الله تعالى كثيراً حين رأيت كل ذلك؛ إذ وفقني لتحصيل هذه العلوم. (بيغم عبد الحفيظ بت)



المراقبة

خواجۃ شمس الدين عظيمي

 السؤال عن الإنسان حقيقته ونطاق قدراته أصبح يحتل أهمية كبيرة في هذا العصر العلمي. و العلم بسنة الخلق يفيد بأن ابن آدم يتشكل آلافاً من التشكلات، وهو فيما يبدو تمثال من طين ، وعبارة عن كيان من اللحم والجلد والدم والعظم، قائمٍ على الحركات الميكانية. ويعمرداخله عالَمٌ كيماوي بأسره. وإن حياة المرء تعتمد على الاطلاعات والبلاغات، وليس المرء إلا خيالاً و تصوراً . وكل حركة صادرة منه خاضعة للخيال والتصور. وإن جميع المآثر في العالم الإنسان يدور رحاها حول قوة غير مرئية من الخيال والتصور والتخييل. وإن ابن آدم يُلبس الخيالَ أنواعاً مختلفةً من المعاني، فيتجلي منه كل جديدٍ وحديث من المظاهر.