Topics
الإنسان مفطور على حب المال والثراء بشدة كما
نطق بذلك القرآن: ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ))(آية 8 سورة
العاديات).
والإنسان يزعم أن القناطير المقنطرة من الذهب
والفضة هي الكفيلة بحاجياته فلا يزال عاكفا على اقتنائها وتحصيلها، وهذا الزعم
يؤدي إلى أن يتنافس مع غيره في جمع المال حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولا يبالي في
هذا الصدد بإضاعة حقوق إخوته، فالطاقات الكبيرة التي أودعته القدرة إياها يضعها في
غير موضعها ومقصدها من الطمع والجشع.
والإنسان يدعي أن ماله من كسب يده فهو المختار
المطلق في طرق إنفاقه فلا وازع يردعه عن ذلك، وهذه الفكرة تغرس في الإنسان العناد
والخروج، وإذا تحول هذا العناد إلى شجرة باسقة انقطعت علاقته بالله تعالى وأصبح في
عداد ذرية قارون.
ومن أجل تقليل أهمية المال في قلوب المؤمنين
وإشعارهم بالمنح الإلهية فقد قام القرآن بتصريف آياته في جعل المال ملكا مشاعا
وتلقين الناس بأن انفاق ما أعطاهم الله تعالى له في سبيل الله تعالى هو بمثابة
شكره على نعمه، ولقد ربط القرآن نيل البر بإنفاق المحبوب في قوله: ((لَن
تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ))(آية 92 سورة آل
عمران).
ولقد وسع القرآن وجوه الإنفاق في قوله:
((وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ))(آية 219 سورة البقرة).
وفي ضوء هذه الإرشادات القيمة أنفق أكثر فأكثر
لخدمة خلق الله تعالى وابدأ بمن تعول ثم أضف إليهم الآخرين من الفقراء والمعوزين.
وضع في الحسبان أنك تنفق ابتغاء مرضاة ربك لا
لشيئ آخر من غرض أو مكافأة أو سمعة
وساعد المحتاجين في السر حتى لا يحدث فيك فعل
الخير الكبر أو الإعجاب بما تعمل من الخير وإلا تجرح مشاعرهم، وإذا قدمت معروفك
إلى أحد فليكن في غير من ولا رياء كما قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى))(آية 264 سورة
البقرة).
وإذا سألك أحد فلا تنهره، فإن كنت لا تستطيع
أن تعطيه شيئا فرده بقول معروف ومعذرة لينة، فقد ورد في القرآن: ((وَأَمَّا
السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ))(آية 10 سورة الضحى).
ونبينا خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم كان
صاحب قصب السبق في السخاء والجود وإغاثة الملهوفين، واستقر رأي الصحابة كافة على
أنهم ما رأوا أجود منه صلى الله عليه وسلم، وهذا المنهاج والنموذج العلمي ساعد في
تكوين مجتمع كان الناس فيه يتدافعون للإنفاق في سبيل الله تعالى ، ولا سائل يرجع
عن بابه صلى الله عليه وسلم صفر اليد، وإذا أعوزه ما يسد به حاجته استدان شيئا
وسلمه للسائل، ولقد كان ديدنه قبل المبعث أن يعين الأيتام والأرامل والمساكين على
نوائبهم، وأول ما نزل عليه الوحي وشعر ببعض الوجل واسته السيدة خديجة رضي الله
تعالى عنها قائلة: إن الله تعالى لا يفعل بك إلا خيرا يا ابن عبد الله فإنك توالي
الأيتام وتساعد الأرامل.
والتاريخ يقدم لنا كل بينة على أنه صلى الله
عليه وسلم لما عقد قرانه على السيدة خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها وهي من
أثرياء مكة أنفق كل ما ملك من المال بفضل
هذا الزواج في سبيل الله عز وجل.
"يقول ابن آدم: مالي ، وما لك من مالك
إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت "
ومرة أخرى قال:"يا ابن آدم: إنك أن تبذل
الفضل خير لك ،وأن تمسكه شر لك"
وكل هذا إنما يفرض علينا أن نبذل مالنا - في
ضوء الأسوة الحسنة التي قدمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - في خير الوجوه
وهو الإحسان إلى خلق الله تعالى لتتربى بذلك شخصيتنا وهكذا نجعل عفاريت عدم
المساواة الاقتصادية مكتوفة الأيدي ومشدودة الأرجل في مجتمعنا الإسلامي، وكم كان
النبي عليه الصلاة والسلام يكره جمع المال وينصح بتفريقه على من يستحقونه من
الفقراء والمساكين، ولقد روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان
له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له حتى رأينا أن لا حق لأحد منا في الفضل.