Topics
لما أراد الله تعالى أن يجعل آدم خليفته في
الأرض، قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ ودلالة على أن الله
تعالى أودع في آدم صفات وغرائز الخير والفلاح أيضا إلى جانب الشر والفساد، علم أدم
صفاته الدالة على خلقته، المعبر عنها ((بالأسماء))، ولما عرضهم على الملائكة
((قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) (آية 32 سورة
البقرة).
والتفكير يهدينا إلى أن الله تعالى قد رتب برنامج
الأكوان على نمطي الخير والشر، ولذلك لم يعرج ربنا على نفي ما أثارته الملائكة من
الاعتراض، المفترض في هذا أن آدم مجرد شر وفساد ما لم ينتقل إليه علم صفات الله
تعالى، وتحول إلى خير محض وفلاح مع انتقال علم الخلق إليه.
وقبل آدم خلق الله تعالى ، الملائكة غير مودع
فيهم غرائز الشر والفساد، فلذلك قام بخلق من يجمع بين غريزتي الخير والشر ليعكف
على الخير ويصدف عن الشر ويجعل نفسه على الخير (أي الصراط المستقيم) ويدعو غيره من
الأخوة والأخوات إلى ذلك الخير، وهذه هي الدعوة التي بعث الله تعالى من أجل نشرها
وتعميمها الرسل والأنبياء عليهم السلام وبلغ عددهم: (124000)، وهذه الدعوة ما
نسميها بالتبليغ.
ولقد قال الله تعالى في محكم تنزيله: (( ادْعُ
إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) (آية 125 سورة
النحل).
وهذه الآية إنما تتمخض عن ثلاثة خطوط إرشادية
مبدئية:
(1)
توجيه الدعوة بصفة حكيمة
اجتنابا للشر واستنادا إلى الخير.
(2)
إلقاء النصيحة بحيث لا
تجرح المشاعر وبحيث يكون محيا الناصح طلقا بهيجا وتكون عيناه مملوءتين بالعطف
والمودة، ويكون قلبه معدن الإخلاص.
(3)
وإذا أحتد النقاش حول شيء
فلا يخشوشن الصوت، وإن لم تكن هناك مندوحة من النقد فليكن النقد بناء ومعبرا عن
الإخلاص والأخلاق، وأسلوب التفهيم يجب أن يكون خلابا لايذكي في المخاطب التعنت
والنفور والتزمت ومشاعر الاستفزاز، وإذا دام المخاطب على تعنته وتهكمه وجب الإقلاع
عن مهمة الدعوة إذ ذاك وهو الخير.