Topics
(( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ
أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا
عَذَابًا نُّكْرًا ،فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا
خُسْرًا ،أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا
أُوْلِي الْأَلْبَابِ )) (آيات 8- 10 سورة الطلاق).
فالأمة التي تعتي عن أمر ربها وتعكف على عبادة
الثروة بدلا من عبادة الله تعالى، تتهاوى في قيعان الذل والصغار، وليس هذا بمجرد
قصة أو حكاية بل إن هناك العديد من الشواهد على وجه الأرض، فكم ممن ملكوا الأرض في
مشارقها أو مغاربها وشيدوا القصور لا ترى لهم باقة وأضحوا كالأمس الدابر، وتحولت
قصورهم الشامخة أنقاضا بالية مبعثرة في الأرض هنا وهناك.
(( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ
مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا
كَانُوا يَكْسِبُونَ )) (آية 82 سورة غافر).
والله تعالى يغفر لنا اللمم، فالقانون الطبيعي
إنما يتغاضى عن الزلات والثغرات ما لم نخل بالنظام الذي هدانا الله تعالى إليه،
ولكن التصرف السيئ من قبل بعض الأفراد إذا أغضب الله تعالى وأقلق عباده الصالحين
اشتغل نظام المعاقبة والمطاردة من الناس بالعذاب الأليم، فالقانون الإلهي يطيح بمثل
هؤلاء الأفراد عن عروش الحكم إلى هوة الاستبعاد، لو أن الأمة هي نفسها أسلمت
قيادتها إلى الثروة وأحبت عبودية شيء تافه لا يكاد يثبت.
لا يختلف رأيان في إن عصرنا الراهن هو عصر
عبادة الثروة، وليس هناك فرق جوهري بين عبادة الثروة وعبادة الأوثان؟ فإن عبادة الأحجار وعبادة الذهب شيء واحد في
الأساس فالأوثان تجري صياغتها من الحجارة والأتربة، ومعادن الذهب والفضة –هي
الأخرى- هيئة مقلوبة من التراب، وإن الناس بدؤوا يلهثون وراء الذهب والفضة
والمجوهرات بصورة عمياء وحتى أن الثروة هي نفسها أصبحت مقياس الكرم والأصل وجشع المال
بلغ نقطة حطمت كل القيم الإنسانية، فخلق الآباء وكرم الأسلاف وتقاليد الشعوب كلها
تحولت إلى مجرد كومات من الأنقاض، وتزعزع الإيمان بالحياة بعد الممات، وأصبحت
الأمة كلها مصداق قول الشاعر:
حياة
ثم موت ثم بعث حديث خرافة يا أم عمرو
ومجازر القيم الروحية يتولد منها الشذوذ في
السلوك وأمر الله تعالى التالي يضرب به الحائط ويقابل بمعصية صارخة:
(( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا
وَلاَ تَفَرَّقُواْ )) (آية 103 سورة آل عمران).
وإذا ما قام عباد الله تعالى الصالحون برفع
عقيرتهم ضد هذه الظاهرة المتفشية جعل القوم أصابعهم في آذانهم ولم ينبسوا ببنت شفة
فالصالحون يذرفون من عيونهم الدماء والشيطان ينفجر ضاحكاً متبجحاً بنجاحه
المؤقت.
(( أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده
إن ذلك على الله يسير )) (آية 19 سورة العنكبوت) وما بعدها .
إن الإنسان جعل اقتناء الثراء غاية حياته وقرر
تشييد القصور الفاخرة والمباني الفخمة مفخرة له، ولا يعتبر بمن مضى أنهم –هم
الآخرين- جعلوا بناء القصور الفاخرة غايتهم القصوى، وكان العالم يرزح تحت وطأة
شديدة من حيلهم وغشهم وبهرجة حياتهم، ولما وقع عليهم سوط العذاب وتقلصت عنهم ظلال
العفو والغفران، أضحوا جزءا من التراب الذي ندوسه بأقدامنا اليوم.
(( كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ
وَعُيُونٍ،وزروع ومقام كريم،وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ،كَذَلِكَ
وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ )) (آيات 25- 28 سورة الدخان).
وكم نرى أمامنا معاقبات ترتبت على خرق القانون
الإلهي: فكم أخذت بنا موجات الأمراض
الجديدة المعقدة، وكم إنسان مكبل في المخمصة والمجاعة مع أنه أخذ بزمام كل شي
فالأولاد غير أسوياء والآباء غير أكفاء، وأصبحت الأمة خاوية من البصر والبصيرة،
وانتشرت الاختلالات العقلية اليوم أكثر من أي يوم آخر، وتحول الموت إلى لعبة يتفرج
عليها، وما إن اضطرب القلب عالياً حتى يودع صاحبه الدنيا إلى المقابر، والإنسان
أشد تعرضاً للخطر بحيث يتعدى قلبه أسوار صدره لمجرد سماع تحرك ورقة من الأوراق،
والخلافات الزوجية خلف جدران البيوت جعلت عصمة الزواج كلا على الجيل الشاب، وضاقت
أبواب الرزق على كثرة الموارد.
(( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن
ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
)) (آية 124 سورة طه).