Topics
قال الله تعالى : (( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي
الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا
فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )) (آية
38 سورة الأنعام).
إن الطيور والدواب والحشرات لا تصيبها النزلة
والزكام والملاريا والأمراض مثل السعال والسل الدرني، ولم يسمع أحد حتى اليوم أن
طيرا أو حمامة أصابها السرطان، و تخلو تجارب أطباء النفس عن مثال لتعرض الدواب
لعقد نفسية ولا برهان قام على انسداد صمام قلب الطائر أو الحيوان، ونادرا ما نشاهد
آثار الشيخوخة بادية على أي نوع من الفصائل الحيوانية. فلا تتساقط أسنانها ولا
تركب العدسات اللاصقة بعيونها، فهي تبقى نشيطة وخفيفة حتى أخريات أيامها، فهلا
تجشمنا البحث في أسباب ذلك؟
وذلك لأن الخلق، الذي تفوق أنواعه وفصائله
وأفراده الإحصائيات البشرية، إنما يستهلك الغذاء المتوازن غير المغشوش، كما أنه
يثابر على ممارسة الرياضات البدنية.
وهذا الخلق على أنواعه وأفراده متقيد في حياته
بنظام يقبل التعديل أو التغير حسب الظروف والأوضاع، ولقد قال الله تعالى: ((
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ )) (آية 41 سورة
النور).
والطيور والدواب التي تعيش في المناخ الإنساني
أقل حظا وسعادة فإنها تداهمها ألوان الأمراض والعلل بسبب العفونة وتلوث البيئة.
والإنسان، الذي لا يختلف في تسميته بأشرف خلق
الله تعالى، قد بلغ بعضا منه حدا بعيدا من القذارة والأذى فهو لا يتردد في أن يبصق
حيث يشاء. ويبقى ما حوله مفعما بالأوساخ والقاذورات، وبيته وسخ، وتتخلل طريقه
القمامة، وإذا تحدثت إليه انبعثت من فمه رائحة، وإذا حك بدنك ببدنه آذتك روائح
عرقه، ووجهه القذر وشعره الجاف، الذي هو وكر للقمل وكل هذا يقدم برهانا ساطعا على
عدم اكتراثه بمبادئ الطهارة والنظافة.
فيا أيها الإنسان: انظر إلى هذه الطيور كيف
تبقى أوكارها وحواصلها نظيفة في تنسيق عجيب، وانظر إلى الهرة كيف تخفي قاذوراتها
في حفرة تحفرها لهذا الغرض، فهذه الهرة، التي تعايشنا في مناخنا، تلقننا كل يوم
درس للتطهير والتنظيف، ولقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : (( وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ ))(آية 4 سورة المدثر).
والأمم الحية تدأب على التقيد بالمبادئ
الصحية، وأما الأمم التي لا تبذل أدنى اهتمام تجاه هذه المبادئ فهي تفقد الوعي
بالنظافة، ولا يبقى فيها بياض أجنحة الطير ولا جمال أبدان الدواب ولا لمعان عيون
الوحوش، وتكون بطيئة كالكركدن وقبيحة كالنسر وناعسة كالبوم.
ولقد خاطب الله تعالى رسوله عليه الصلاة
والسلام قائلا: (( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ ، وَرَبَّكَ
فَكَبِّرْ ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ )) (آيات 1-5 سورة
المدثر).
وأما حالنا فنرى أن مدار نجاتنا حول الصلوات
الخمس، ونغمض عيوننا عن آلاف الأوامر الأخرى بحجة استحبابها.
أيها المسلم: انظر أين وصل وضع أمتك الصحي
بسبب القاذورات التي بثثتها والخبائث التي اجترحتها؟ فكل فرد من الأمة يبدو مريضا،
وأحالت هذه القاذورات براعمك الزاهرة صفراء مكفهرة، والبيوت المتسخة والعقليات
المريضة قد آذت كثيرا كرامة المسلمين وشرفهم، وبقينا أداة بأيدي الآخرين فسلط الله
تعالى علينا العبودية والذل.
إن ترك الأوامر الصحية الواردة في القرآن
وحدها يسبب لنا المهانة والازدراء، فلماذا لا نفكر في أن رسولنا الحبيب صلى الله
عليه وسلم قد جاء ليطهرنا ويزكينا فقد قال الله تعالى في مفتتح سورة إبراهيم (آية
1) : ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ)