Topics
نقل
داؤود عليه السلام عاصمة دولته من جبرون إلى فلسطين حيث ولد سليمان عليه السلام. و
قد ذكره القرآن الكريم فيما يلي من الآية الكريمة:
ووهبنا
لداوود سليمان ۚ نعم العبد ۖ إنه أواب ﴿ص: ٣٠﴾
وقال
النبي صلى الله عليه وسلم:
نصحت
أم سليمان ابنها (سليمان) وقالت له: "يابني! لاتنم طول الليل فإن النوم في
معظم أجزاء الليل يجعل الإنسان محروما من أعمال الخير يوم القيامة" و هو من
سلالة إبراهيم عليه السلام بواسطة يعقوب عليه السلام.
قال
الله تعالى:
ووهبنا
له إسحاق ويعقوب ۚ كلا هدينا ۚ ونوحا هدينا من قبل ۖ ومن ذريته
داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون ۚ وكذلك نجزي المحسنين ﴿ سورة
الأنعام: ٨٤
﴾
كان
الله قد شرف سليمان عليه السلام بعدد من الميزات و الخصائص مثل ما أكرم أباه داؤود
عليه السلام و كان الابن و الأب كلاهما يعرفان منطق الطيور و الوحوش و المواشي.
قال
الله تعالى:
ولقد
آتينا داوود وسليمان علما ۖ وقالا الحمد للـه الذي فضلنا على كثير من عباده
المؤمنين ﴿١٥﴾وورث
سليمان داوود ۖ وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل
شيء ۖ إن هذا لهو الفضل المبين ﴿سورة النمل : 15 - ١٦﴾
كان
لداؤود عليه السلام أبناء غير سليمان وكان واحد منهم أبا سلوم الذي كان لديه نفوذ
في الدولة و أثر عميق حتى بغى على داؤد عليه السلام وقام بثورة ضده فلجأ دواؤد
عليه السلام إلى مغادرة فلسطين و شن الحرب و المكافحة عن الثورة التي أثارها ابنه
فتواجهت الجنود من الجانبين جنود الأب و الابن و وقع القتال العنيف و تراكمت جثث
القتلى في ميدان الحرب و أخيرا قتل أبوسلوم و انتهت الثورة فرجع داؤود عليه السلام
إلى فلسطين من جديد. و في آخر عمره كان ابنه الثاني أيضا بغى عليه للحصول على
الدولة ولكنه قد أنهى ذلك أيضا. و بعد هاتين الثورتين أعلن بمشورة من رجال الحكومة
أن سليمان سيتولى العرش بعد وفاته فلما اعتلى سليمان عليه السلام العرش بعد أبيه
قد غفر لإخوته المتمردين والقائمين بالثورة في عهد أبيه ضد الحكومة.
توارث
سليمان عليه السلام العلم و الحكمة والهداية و الدولة و النبوة و من أبيه و أكرمه
من مؤهلات عظمى للفهم و الحكمة و إصابة الرأي و إصدار الحكم الصحيح العادل و قد
ذكر القرآن الكريم قصة حكمته و إصابة رأيه التي حدثت في صباه فيما يلى من الآيات:
"وداوود
وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ﴿٧٨﴾ ففهمناها سليمان ۚ وكلا آتينا
حكما وعلما ۚ ﴿سورة الأنبياء: 78- 79﴾
رعت
أغنام أحد محاصل زراعية قائمة في حقل فرُفِعَ الأمر إلى داؤود عليه السلام حيث
ادعى مالك الحقل بأن تُدفَع الغرامة إليه ، لأن الأغنام لم تبُقِ شيأ منها في
الحقل فحكم دؤود عليه السلام - بما أن ثمن محاصل الزراعة يساوي جميع الأغنام - بأن
الأغنام تُعطَى مالك الحقل.
و
ما إن سمع ذلك سليمان عليه السلام حتى أشار عليه كما يلي:
"يا
أبي! إن القيام بهذا الحكم يؤدي إلى نفع الفريق الأول و إلحاق الضرر بالثاني فإن
مالك الأغنام سيكون فقيرا محتاجا طول عمره في جانب و يتمتع صاحب الحقل بالأغنام و
الحقل طول حياته في جانب آخر. و من المناسب أن مالك الأغنام يحرث الحقل و ينبت فيه
و يسقيه و يقوم بالرعاية و التعهد و إذا استعد الزرع يعيد جميع محاصل الزراع إلى
صاحب الحقل و في غصون هذه المدة ستكون الأغنام لدى صاحب الحقل يسعتملها و ينتفع
بها و يكون له حق التصرف فيها و إذا أعاد مالك الأغنام محاصل الزراعة إلى صاحب
الحقل يعيد الأغنام إلى صاحب الأغنام.
أتت
امرأتان إلى حضرة سيدنا سليمان عليه السلام و ادعت كل منهما طفلا حديث المولود
وقالت أن طفل الأخرى ذهب به الذئب و ذلك هو طفلها و ليس للأخرى و بذلك تعقد الأمر
و صعب إصدار الحكم في ذلك الصدد ولكن فهم و فراسة سليمان عليه السلام قد كشف
الغطاء و دعا بالجلاد وقال بأن يقطع الطفل في قطعتين و تعطى كل منهما قطعة و لما
سمعت الأم الحقيقية هذا الحكم اضطربت غاية الاضطراب و قالت باكية: "لا ، لا ،
إنما هو طفلها ، و يعطى أياها فقط و لا يعقطع الطفل قعطتين" ظهر بذلك أن من
هي الأم الحقيقية للطفل فأعيد الطفل إليها.
و
بعد أن انتقل داؤود عليه السلام إلى رحمة الله تعالى تولى الحكومة سيدنا سليمان
عليه السلام و حكمها لمدة أربعين سنة أقام خلالها العدل بين الناس و رفاهية الخلق
و إعلاء القانون الإلهي و الأمن والسلامة في البلاد وأنهى الثورة و الفساد فأصبح
الخلق مترفا و تقدم مستوى الحياة و تنورت البيوت المظلمة و شبع الجائعون.
كانت
دولة سليمان عليه السلام ممتدة من مصر إلى فرات. و كان ذلك العصر عصر الازدهار و
الرقي و الرفاهية قد نال قومه التقدم والرقي في جميع ميادين الحياة من الزراعة و
السياسة و العلوم الحديثة حيث لايوجد أي مثال لذلك في جميع تأريخ العالم. و مما
يمتاز به سليمان عليه السلام من الخصائص النبوية أن الله كان سخر له الهواء.
قال
الله تعالى في القرآن الكريم:
ولسليمان
الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ۚ وكنا بكل شيء
عالمين ﴿سورة الأنبياء: ٨١﴾
ولسليمان
الريح غدوها شهر ورواحها شهر ۖ وأسلنا له عين القطر ۖ ومن الجن من
يعمل بين يديه بإذن ربه ۖ ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير
﴿سورة سبا: ١٢﴾
فسخرنا
له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ﴿سورة ص: ٣٦﴾
كان
سليمان عليه السلام يسافر حوالي مسافة شهر صباحا حينما أراد ذلك كما يقوم بذلك في
المساء عندما يحتاج إليه.
سيدنا
سليمان عليه السلام هو الرجل الأول الذي نصب طريقا و جهة للأسطول البحري في البحر
و كان ذلك وسيلة قوية لنقل البضائع خلال الطريق البحري حينئذ وكان يقوده المهندسون
المهرة إلى أنحاء العالم الأربع لتطوير التجارة العالمية وكما كان "الأسطول
الترسيسي" (اسم أحد الأساطيل العديدة التي كانت لدى سليمان عليه السلام) ذلك
يذهب إلى جهة الدول الغربية و يتم سفره لمرة واحدة في مدة ثلاث سنين و كان الأسطول
مشحونا بمختلف البضائع الثمينة من الذهب والفضة وأسنان الفيل و المواشي و المعز
والأغنام وغيرذلك.
وقد
ذكر القرآن الكريم ثلاثة أشياء حول سليمان عليه السلام:
1.
سخر له الله تعالى الهواء
2.
كان الهواء تابعا لأمره و خاضعا لحكمه
لذلك كان الطوفان الشديد يتوقف عندما يتلقى أمره على الفور.
3.
كان الهواء البطيء يكون سريعا إذا
يأمره سليمان عليه السلام بذلك. وكان يقطع مسافة شهرين خلال صباح و مساء.
كانت
هناك معادن النحاس ممتدة على خمسين ميلا و كانت الآلاف من الأتُّون يذاب فيها
النحاس كما كان آلاف من العمال يعملون ليلا ونهارا وكان هناك مصانع آخرى لنتظيف
النحاس و إنتاج الحديد و النحاس الخام و تنتج المواد الأولية فيها كما كانت هناك
150 بئرا و بركة للماء كان عمقها 20 ذراعا وكان الحديد مادة أكثر تصديرا في البلاد
كما كانت البلاد لاتحتاج إلى بلاد أخرى حول مبادلة النقود.
قال
الله تعالى في القرآن الكريم:
ولسليمان
الريح غدوها شهر ورواحها شهر ۖ وأسلنا له عين القطر ۖ ومن الجن من
يعمل بين يديه بإذن ربه ۖ ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير
﴿سورة سبا: ١٢﴾
كان
قصر سليمان عليه السلام مبنيا من الذهب و الفضة و الجدران مطلية بالذهب والفضة كما
كانت السقوف مزينة بالزمرد والياقوت و كان عرشه مرصعا باللآلي الحقيقية و كانت نصبت أشجار على أنحاء القصر الأربع
أغصانها شفافة للغاية و كانت تجري المصابيح ذات الألوان المختلفة و كان على كل غصن
عش و كان على كل واحد نصبت طيور و كان حطب العود يحرق كل حين في البلاط الملكي
(ويباع العود بثمن خمس مأة آلاف كيلو غرام في 2002 م) و كان المشلك والعنبر
يستخدمان تعطيرا للهواء وكان العرش الملكي منصوبا على مكان مرتقع وكانت الكراسي
مصفوفة تحت العرش في جانبيه يجلس عليها الأكابر من الإنس والجن و مساعدوهما وإذا
كان سليمان عليه السلام يحضر البلاد واضعا التاج الملكي على رأسه تفتج الطيور التي
كانت جالسة على الشجرة أجنحتها فتعطر الفضاء برائحة المشك و العنبر و تبدأ الطاووس
الرصعة بألوان الجواهر ترقص. هذا ، و قد عمرت كثير من المدن الجديدة كما بني سور
بيت المقدس في عهده.
طبقا
لوصية داؤو عليه السلام أراد النبي سليمان عليه السلام أن يعمر مدينة عظيمة حول
المسجد الأقصى و ويقوم بتأهيل بناء المسجد الأقصى بما أنه كان يحب أن يستخدم
الأحجار الثمينة في بناء المسجد و تعمير المدينة ولذلك قام باستيراد الأحجار
الثمينة الجميلة وكبيرة الحجم و نصب الجن على هذه المهمة فإنهم كانوا يأتون بأنواع
من الأحجار من الأمكنة البعيدة و يقومون بأعمال بناء المسجد الأقصى و مدينة القدس
و قد وضع عهد الصندوق على دكة كان طولها وعرضها و ارتفاعها سواء و ذلك يساوي عشرين
ذراعا من كل جانب من الجوانب الأربعة. وقد تم بناء المسجد في مدة سبع سنوات.
قال
تعالى:
"يعملون
له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ۚ اعملوا آل
داوود شكرا ۚ وقليل من عبادي الشكور ﴿ سورة سبا: ١٣﴾"
وكان
له أواني كبيرة الحجم كالحوض يتم طبخ الطعام فيها.
و
قام الجن ببناء الأبنية الأخرى غير بيت المقدس كما قاموا ببناء بعض الأشياء التي
ليس لها نظير في العالم في ذلك الوقت و يعتقد ها الناس من أعاجيب العالم و قد ذكر
الله تعالى في القرآن:
"ومن
الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك ۖ وكنا لهم حافظين ﴿سورة
الأنبياء: ٨٢﴾
وقال
تعالى:
ومن
الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ۖ ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب
السعير ﴿سورة سبا: ١٢﴾
وقال
تعالى:
"يعملون
له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ۚ اعملوا آل
داوود شكرا ۚ وقليل من عبادي الشكور ﴿سورة سبا: ١٣﴾"
وقال
تعالى و هو يذكر جنود سليمان عليه السلام
:
"وحشر
لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ﴿سورة النمل: ١٧﴾"
وساهم
ثلاثون ألف عامل في بناء مسجد الأقصى. وصنع الفناء و اثناعشربابا و الجدران بحطب
الصنوبر و صنعت دكة بحطب الشندن كان ارتفاعها و طولها وعرضها عشرون ذراعا و وضع
عهد الصندوق عليها. وكان هناك آلاف من الناس ينحتون الأحجار من الجبال و مـأة ألف
نحات ينقشون في الأحجار و يجملونها و يقومون بإعدادها في مختلف النماذج كما كانت
آلاف من الأفيال تستخدم في حمل الأحجار و عين الجن على جمع الجواهر و الياقوت و
الزبرجد و الفيروزه واللآلي من البحار كما
كانت بنيت 684 ركنا مرصعا بأثمن الأشياء وألمعها في المسجد الأقصى الذي كان طوله
784 ذراعا و كان عرضه 455 ذراعا وكان 700 كناسا معينين على أمور الكناسة والصيانة
والنظافة.
وكان
سليمان عليه السلام قد أُعطي فهم أصوات الطيور و كان ذات مرة يذهب مع جنوده من
الجن والإنس إلى مكان. رغم أن الجنود و الخلائق الأخرى كانت لاتعد ولاتحصى لايجرأ
أحد على أن يخالف أمره أو يمشى خلاف ما أمربه وكان الجميع خاضعا لهيبة سليمان عليه
السلام ويمشون ترتيبا و تنسيقا.
وصلت
الجنود إلى واد كان ذلك مسكن النمل ولما رأت الملكة شاه مور الجنود العظيمة أمرت
النمل بما يلي:
"يا
أيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان و جنوده وهم لايشعرون"
قال
تعالى في القرآن الكريم:
وورث
سليمان داوود ۖ وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل
شيء ۖ إن هذا لهو الفضل المبين ﴿١٦﴾
وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ﴿١٧﴾ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت
نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴿١٨﴾ فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب
أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني
برحمتك في عبادك الصالحين ﴿سورة النمل 16- ١٩﴾
(سورة
النمل: 16-19)
وضع
سليمان النملة على راحة يده و سألها:
"أخبرني
بأن ملكك وسيع أم ملكي أوسع من ملكك؟"
قالت
النملة: "وعلم ذلك عند الله ولكن الآن عرشي هو يد سليمان عليه السلام"
قال
الله تعالى : وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ﴿١٧﴾
مرة
جمع سليمان عليه السلام جميع أصحاب الحكومة وأربابها ولكن لم يكن الهدهد حاضرا
فقال:
"مالي
لاأرى الهدهد أهو غير حاضر حقا؟ فإن لم يفدني بوجه معقول لعدم حضوره في البلاط
لأذبحنه أو لأعذبنه عذابا شديدا.
قال
تعالى: "وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ﴿٢٠﴾ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو
ليأتيني بسلطان مبين ﴿سورة النمل : 20 - ٢١﴾
وما لبث غير بعيد حتى حضر الهدهد و لما سأله
سليمان عليه السلام عن سبب عدم حضوره قال:
"قد
جئت بخبر لست بعارف عن ذلك و ذلك أن ملكة تسكن في ولاية سبا و قد وهبها الله تعالى
كل شيء من عنده و مملكتها عظيمة نظرا إلى جنودها ولكن الملكة و قومها يعبدون الشمس
و قد أضلهم الشيطان وهم لايعبدون الله تعالى وحده."
وكانت
عاصمة سبا ولاية قارب. كان أهلها يجعلون السد على العيون ويستخدمون مائها للسقي.
وكان "سد قارب" سدا أكبر كات بجانبيه الحدائق الغناء للثمار والأزهار
ذات الرائحة الطيبية وكان قوم سبا قوما ثريا و كان حرفته التجارة وهم كانوا يعبدون
الشمس ويشركون بالله تعالى.
ولما
قدم الهدهد اعتذاره إلى سليمان حول غدم حضوره في البلاط الملكي قال سليمان عليه
السلام سوف نختبرك و نعرف هل أنت صادق أم كاذب في دعواك. اذهب بكتابي هذا إلى أهل
سبا وانظر ماذا يقولون عن ذلك."
قال
تعالى: "قال سننظر أصدقت أم كنت من
الكاذبين ﴿٢٧﴾
اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون ﴿سورة النمل : 27-٢٨﴾
ولما
وصل الهدهد وجد الملكة كانت تذهب لعبادة الشمس و ألقى الهدد الكتاب أمامه عندما
كانت في طريقها إلى معبدها ، أخذت الملكة الكتاب و قالت لرجال الحكومة بأن كتابا
ألى إليها و يشتمل على ما يلي:
"إنه
من سليمان وإنه بسم اللـه الرحمن الرحيم ﴿٣٠﴾ ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ﴿سورة
النمل : 30- ٣١﴾
قرأت
الملكة الكتاب وتوجهت إلى أصحاب الحكومة وقالت :
"أيها
الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴿سورة النمل :٣٢﴾
قالوا
نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ﴿سورة النمل : ٣٣﴾
قالت
الملكة: "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ۖ
وكذلك يفعلون ﴿٣٤﴾
وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون" ﴿سورة النمل : 34-٣٥﴾
ولما
وصل السادة الذين أرسلتهم الملكة إلى سليمان عليه السلام قال لهم سليمان عليه
السلام اذهبوا بما أتوابه إلى ملكتكم و إني لست بحاجة إلى هداياكم وقولوا للملكة
بأني سآتي إليكم بجنود عظية وقوية للغاية لاتقدرون علي مكافحتها و ستكونوا عاجزين
خاسرين. و قدذكر القرآن الكريم ذلك في أسلوبه الأنيق فيما يلي:
"فلما
جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني اللـه خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون
﴿٣٦﴾ ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل
لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ﴿سورة النمل 36- ٣٧﴾"
أتى
السادة إلى الملكة و ذكروا حسب ما رؤوا وشاهدوا في بلاط النبي سليمان عليه السلام
و عظمته وقالوا إنه ليس الملك للناس فقط و لكن أمره يجري على جميع الخلق من الإنس
والجن والحيوانات والوحوش والطيور والماء والهواء وكلهم تابع لأمره وخاضع لسلطانه.
ولما
سمعت الملكة ما سمعت تغجبت و دهشت و أيقنت أن سليمان ليس من الملوك الذين إذا
دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذله. لذلك عزمت على الرحيل والحضور في خدمة
سليمان خاضعة لسلطانه و تابعة لأمره.
بما
أن سليمان عليه السلام نبيا من الأنبياء الصادقين يأتي إليه وحي الله تعالى لذا
علم ما كان لايعلمه الناس و عرف أن الملكة تريد الحضور في بلاطه فخاطب رجال
الحاشية:
(قال)
يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ﴿٣٨﴾
قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من
مقامك ۖ وإني عليه لقوي أمين ﴿39﴾
وما سمع جن كان لديه علم الكتاب (ذكر اسمه في
كتب التأريخ آصف بن برخيا) دعواه قال:
"أنا
آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك" (سورة النمل 40)
فلما
غمض جفنه رأى أن عرشها موجود في بلاطه. فشكر لله تعالى على هذه النعمة الجليلة.
كما قال تعالى:
فلما
رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ۖ ومن شكر
فإنما يشكر لنفسه ۖ ومن كفر فإن ربي غني كريم ﴿سورة النمل: ٤٠﴾
ثم
أمر سليمان عليه السلام بأن ينكر عرشها و يغير في شكلها لكي يرى هل تقدر الملكة أن
تعرف عرشها أم لا.
قال
تعالى:
"قال
نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ﴿سورة سبا: ٤١﴾
فلما
جاءت قيل أهكذا عرشك ۖ قالت كأنه هو ۚ
(سورة النمل: 42)
وأضافت
قائلة:
وأوتينا
العلم من قبلها وكنا مسلمين ﴿سورة النمل: ٤٢﴾
قام
سليمان عليه السلام ببناء قصر شامخ بتعاون المهندسين من الجن والإنس كان ذلك كالكبريت الأحمر في ندرة وجوده لأجل لمعان
قواريره و ألوانه المختلفة. ومن كان يريد الدخول فيه يمر بفناء القصر الذي كان يحتوي على حوض كان
مملوءا بالماء وكان فرشه مصنوعا من
القوارير التي تخلب أبصار المشاهدين حتى يتيقنوا أن الفناء يجري فيه الماء الصافي
الرقيق.
ولما
وصلت الملكة أمام القصر لتسكن فيه ظنت أن الماء يجري في الفناء و كشفت عن ساقيها
فقيل لها إنه صرح ممرد من قوارير. فخجلت و استحيت و قالت:
"رب
إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين." (سورة النمل : 44)
بما
كان سليمان عليه السلام نبيا من أنبياء الله تعالى كان تعكس من جميع أعماله أسلوب
النبوة وطريقه و كان يعرف أن صلة كل شيء ليس له علاقة به وإنما هو بالله تعالى
وحده لاشريك له.
رغم
أن سليمان عليه السلام نبيا جليلا لله تعالى ملكا لدولة عظيمة بلاه الله تعالى في
كثير منها أنه مرة ذهب إلى الخارج لقضاء جاجته و أعطت الخاتم جاريته الذي كان
الاسم الأعظم منقوشا عليه و بينما هو كذلك إذ حضر ملك الملاك حمود ليس ونزعت
الخاتم من يد الجارية وجلس على العرش وكان الخاتم سندا يوضع على الأحكام الصادرة
من مكتبه ولما أخذ الجن الخاتم وجلس على العرش لم يبق لدي سليمان عليه السلام شيء
من دولته حتى هجرها و خرج إلى الغابة.
ذات
يوم شعر بجوع شديد طرق بابا لبيت فخرجت إمرأة سألت من هو؟ قال سليمان عليه أنا
الذي يلزم ضيافته قالت المرأة لا يمكن لي أن أدعو رجلا غير ذي رحم عندما لايحضر
زوجي في البيت. ولكن لي حديقة إذهبوا هناك واستريحوا فذهب سليمان عليه السلام إلى
الحديقة و جعل يستريح حتى نام سريعا و بينما هو كذلك إذا وصل زوج المرأة هناك و
دهش غاية الدهشة عندما رأى أن رجلا ينام و أفعى الكوبرا يراقب عليه جالسا لديه
وسأل زوجته من ذلك الرجل ولماذا ينام هنا. قالت المرأة إنه مسافر طرق بابنا فقلت
له بأنه زوجي ليس في بيتي فليذهب إلى الحديقة ولما هب سليمان عليه السلام من نومه
غاب الأفعى من هناك و تأثر الرجل منه تأثير عميقا و نشأ في قلبه مشاعر الحب و
الإكرام تجاه النبي سليمان عليه السلام بما رأى من معجزة الأفعى و أكرمه إكراما
بالغا و قدم إليه خطبة ابنته التي قبلها سليمان عليه السلام و مكث هناك لثلاثة
أيام ثم رحل.
كان حمودليس من الجن اختار شكل سليمان عليه
السلام وجلس على العرش ، حسب الناس أنه سليمان عليه السلام ولكن نشاطاته المختلفة
قد أثبتت أنه ليس النبي سليمان عليه السلام وللتأكد على ذلك قيل له أن يقرأ
التوراة فلم يقدر على قرائتها ولما غجز عن القراءة تيقن الناس أنه شيطان رجيم
فبدؤا يتلون التوراة بأعلى أصواتهم ولما سمع حمود كلام الله تعالى غادر من هناك
ولم يرجع و رمى الخاتم في النهر.
ذات
يوم رأى سليمان عليه السلام رجالا يصيدون الأسماك في نهر فصاحبهم و أخذ سمكا ثم
ذهب به إلى بيته و سأل زوجته أن يطبخه ولما قطعت الزوجة بطنه وجدت الخاتم الذي
فقده النبي سليمان عليه السلام و بذلك استرد جميع ما كان انتزع منه من دولته و سلطانه و سطوته وعرشه وغير ذلك.
كانت
مائدة سليمان عليه السلام وسيعة جدا و يكون حشد كبير من الخلق موجودا لديه دائما
وكان من عادته أن يفرح بإطعام الناس و إشباعهم فتخيل يوما أن يدعو جميع خلق الله
تعالى إلى الطعام يوما و ابتهل إلى الله تعالى :
"يا
رب العالمين ! أريد أن أدعو خلقك إلى الطعام".
قال
الله تعالى:
"يا
سليمان! علىَّ رزق جميع الخلق. وأنت لن تقدر على إطعامه ولو لوجبة فقط"
قال
سليمان عليه السلام:
"أريد
أن أدعو خلقك مما أعطيتني"
قبل
الله تعالى طلبه وإذن له بدعوة الخلق إلى الطعام. فقام سليمان عليه السلام باهتمام
هذه الدعوة على ميدان وسيع وعريض للأرض و أمر الجن بأن يفرشوا في الغابة ويأتوا
بأشياء الأكل والشرب من أمكنة بعيدة و أمر الهواء بأن يعلق فرش الأرض في الهواء
لكي يشترك كل نوع من الخلق في الدعوة.
يقال
إن الطعام إذا أصبح جاهزا إن سمكا أخرج فمه من النهر وقال لسليمان عليه السلام:
قد
أمرت بأن أشترك في دعوتك فمن فضلك أعطني
الطعام.
قال
له سليمان عليه السلام:
"الطعام
حاضر".
أكل
السمك الطعام المطبوخ في سبعة آلاف ماة إناء وقال:
"يا
سليمان ! ما شبعت الآن. و إنما أكلت اليوم لقمة فقط والله تعالى يطعمني ثلاث لقم
مثل ذلك كل يوم"
تخر
سليمان عليه السلام ساجدا وابتهل إلى الله
تعالى واستغفره وقال:
"لاشك
أنت الرازق الوحيد الذي يعطي الرزق جميع الخلق"
وإن
سورة ص تذكر لنا ابتلاء كان سليمان عليه السلام ابتلي به و كذلك تذكر دعائه:
قال
تعالى:
ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ﴿٣٤﴾ قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي
لأحد من بعدي ۖ إنك أنت الوهاب ﴿ سورة ص ٣٥﴾
ذهب
المفسرون في تفسير هذه الآية أن النبي سليمان عليه السلام مرة أصيب بمرض أنهك جسمه
وأصبح نقيها للغاية حتى كان يرى أن جسمه
ليس فيه حس ولاحركة وقد خرج الروح من بدنه ولكن رحمه الله تعالى وشفاه ولما
عاد إلى الصحة شكر لله تعالى واستغفره وأعرب عن فقره وعجزه ودعاه:
وكان
قد ابتلي بهذا البلاء لكي يفهم سليمان عليه السلام إلى درجة عين القيقن و ذلك أن
المال والدولة والحكومة والموت والحياة كلها من الله تعالى و من قدرته و يخضغ لله
تعالى كما خضع المرسلون والنبيون من قبله لله تعالى ويستغفر الله تعالى خاشعا و خاضعا.
و
ملخص ما ذكر القرآن الكريم حول موت سليمان عليه السلام أن الجن كانوا يشتغلون
ببناء مبنى شامخ للغاية إذ وصلت إليه المنية ولكن الجن لم يعلموا عن ذلك و استمروا
في عملهم في ببناء المبنى والأرضة قد لعقف عصاه حتى انكسرت العصا و سقطت جثة
سليمان عليه السلام على الأرض هامدة وعرف حينذ الجن أن سليمان عليه السلام قد مات.
قال
الله تعالى في القرآن الكريم:
فلما
قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ۖ فلما خر
تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ﴿سورة سبا: ١٤﴾
كان
بنوإسرائيل قاموا بتحريف ما في كتبهم السماوية و غيروا معظم ما كانت من المواد
الدينية طبقا لأغراضهم الدنيويية و جرؤوا على أن يتهموا داؤود و سليمان بشتى أنواع
التهم منها أن سليمان عليه السلام كان ساحرا عظيما من خلال سحره وقوته كان قد سخر
الإنس والجن يحكم على خلائق الأرض.
ومما
كان مشهورا عن الجن أنهم كانوا يعرفون الغيب ولما عرف النبي سليمان عن ذلك حصل كل
ماكان لدى الجن من مستندات السحر و دفنها تجت عرشه و أجرى الحكم بأن من يسحر أو
يؤمن بأن الجن يعلم الغيب سيضرب عنقه.
لما
مات سليمان عليه السلام أخرج الشياطين من الجن المكتوبات المدفونة من تحت عرشه و
نشر عقيدة بين بني إسرائيل بأن هذا العلم هو كان علم سليمان عليه السلام و هذه هي
القوة السحرية التي كان سليمان عليه السلام يحكم على أنواع من خلق الله تعالى من
الإنس والجن والهواء والطير وحشرات الأرض و ماإلى ذلك. و بذلك أن هذا السحر قدعاد
إلى بنى إسرائيل و شاع فيهم.
و
قد ذكر القرآن هذه الحقيقة الواضحة حول انتمائهم السحر الكاذب إلى النبي سليمان
عليه السلام فيما يلى من الآيات الكريمة:
ولما
جاءهم رسول من عند اللـه مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب
اللـه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ﴿١٠١﴾
واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ۖ وما كفر سليمان ولكن الشياطين
كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ۚ وما
يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ۖ فيتعلمون منهما ما يفرقون
به بين المرء وزوجه ۚ وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن اللـه ۚ
ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ۚ ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من
خلاق ۚ ولبئس ما شروا به أنفسهم ۚ لو كانوا يعلمون ﴿١٠٢﴾ ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من
عند اللـه خير ۖ لو كانوا يعلمون ﴿١٠٣﴾
وقد
أنزل الله تعالى ملكين من هاروت ومارت من السماء قد علما بنى إسرائيل أسرار العلوم
الإلهية التي كانت مأخوذة من التوراة التي كانت طاهرة و نقية من جميع أنواع الدنس
للسحر الشيطاني وإذا كان الملكان يعلمان السحر أحدا كانا ينصحانه:
الآن
لما انكشفت الحقيقة و اتضح الحق و شاهدتم الحق والباطل فلاتتركوا علم الكتاب وإن
رجعتم إلى السحر فستكونوا كافرين حقا وذلك لأن حجة الله تعالى قد تمت عليكم
واذكروا أن وجودنا هو ابتلاء لكم لأن الله تعالى سوف يرى أنكم تتبعون الشياطين و
سحرهم أو تعتنقوا بأقوى شيء وهو اتباع علم كتاب الله تعالى.
و
قد اعتنق بنوإسرائيل بهذا العلم و استخدمواه ولكن بعد مرور الأيام جعلوا يستخدمونه
لأمور لايجوزلهم الاتبيان بها شرعا و دينا.
هناك
شيآن مستقلان وهما الجبلة والفطرة. فإن الجبلة يشترك فيها الإنس والجن و سائر
الخلق ولكن الفطرة التي هي خاصة الإنس فإننا تمتلك مقاما يميزنا من الخلق الآخر
ولكننا لاندعي أن هذه الخاصة لاتشترك فيها الخلائق الأخرى لان هناك خلق كثير من
الله تعالى لديه العقل والشعور و حتى بعض الحيوانات لديها أكثر عقل من الإنسان في
بعض الأمو ر.
و
يوجد على الأرض كثير من المواشي التي لديها شعور الزمان المستقبل و إداراك ما سيحدث
في الزمان الآني فأن الكلب و القطة وكثير من الحيوانات الآخري تعرف من قبل عن
الزلازل و المصائب الأخرى التي ستحدث على الأرض.
و
قوة سمعاعة الإنسان هي أضعف و في حد بالنسبة إلى الآخر. فإن الإنسان يمكن له أن
يشعر بصوت له ألف تكرار أو أكثر ولكنه لايقدر على أن يسمع الصوت الذي له عشرون ألف
تكرار أو أكثر و لكن على عكس الإنسان أن الكلب والثعلب والقط تقدر على أن تسمع
صوتا له أكثر من ستين ألف تكرار. والفيران والخفاش والعنبر والدولفين تقدر على أن
تسمع الصوت الذي له ألف مأة تكرا في ثانية.
إن
الأسماك تشعر بالارتعاش الخفيف في قعر البحر أيضا. والإنسان له قوة البصارة إلى حد
ما فقط ولكن النحل تستطيع أن ترى الأشعة فوق البنفسجية أيضا كما أن النسر له قوة
البصارة أكثر من الإنسان ثماني مرات.
إن
حفيد تاج الدين بابا أولياء رحمه الله الناغ فوري قلندر بابا أولياء يذكر تأويلا
علميا لحادثة " حب الأسد" في
كتابه "تذكرة تاج الدين بابا و يقول:
ذات
يوم صعد الجبل تاج الدين بابا رحمه الله واستمر في عمله ذلك إلى أن وصل بعيدا وقال
لأصحابه مبتسما:
"من
يخاف الأسد فليذهب من هنا أما أنا فأريد أن أستريح هنا ساعة و ليعلم كل منكم أن
الأسد ليأتي حقا و من يريد أن يمكث فليمكث هنا ولكن لاحرج على أحد أن يذهب من هنا
و يأكل ويرتع ويلعب. "
لما
سمع الناس ذلك اختفى بعضهم في الأشجار لكي يشاهد الأسد ولكن معظم الناس غادروا ذلك
المكان و فروا خوفا من الأسد. كان ذلك فصل الصيف كان الهواء البارد وظل الأشجار
تمتع النفوس و الآن كان بابا يظجع على العشب الأخضر وكانت أعينه مغلقة ، و كان
الفضاء هاديا و يغشى عليه السكوت و مالبث ذلك طويلا حتى أصبحت الغابة تبدو مهيبة
وبعد ذلك بساعة شعرنا بأننا ننتظر أحدا ولكن ليس ذلك انتظار إنس ولا جن وإنما كان
ذلك انتظار أسد كان يتحرك في ذهني وكان الأمر كذلك حتى توجهت إلى نانا رحمه الله تعالى و رأيت أن
أسدا طويل القامة يتقدم إلى نانا رحمه
الله بأدب ووقار بكل معانى الاحترام والتقدييس.
وكان
الأسد ينظر إلى نانا بغاية الاحترام و يتقدم إليه رويدا رويدا حتى قرب إليه ولكن
نانا رحمه الله تعالى لم يعرف ذلك وهو كان غارقا في النوم و كان الأسد يمسح قدميه و بعد ساعة أغلق عينيه و وضع رأسه على
ألأرض وكان نانا تاج الدين يستمر في نومه الآن و الأسد قد جرأ على المزيد و بدأ
يلعق أخمص قدميه وعمله هذا قد أيقظ نانا تاج الدين رحمه الله تعالى فمسح
رأسه و قال: "هل أتيت؟" الآن أنت صحيح ، أنا مسرور برؤيتك صحيحا والآن
اذهب"
إن
الأسد قد شكر له محركا ذنبه وراح.
قال
قلندر بابا أولياء رحمه الله : "قد تفكرت في هذا الأمر جدا أنه لايعرف أحد أن
الأسد قد لقي نانا ولو لمرة واحدة فكيف أتى اليوم وأظهر أنه ونانا قد لقي الواحد
الآخر فهناك علينا أن نتيقن أن نانا والأسد كانا متعارفين لكليهما ذهنيا و طريق
التعارف يمكن أن موجات ¤ "أنا" التي كانت تتكرر وتتردد بين نانا و الأسد
قد تسببت إلى التقائهما كما قد كشفت
الحادثة هذه أنه ينكشف بعض الأمور لحيوانات أيضا فالإنسان والخلائق الأخرى سوية في
هذا الأمر.
(¤ إن
موجات أنا تكون موجودة دائما في الزمان اللامتناهي وليس لها أي بعد زماني أو مكاني
فلايمكن أن يقيدها بالزمان أو المكان و موجات النور التي تقل البعد الذي لايكون
موجودا لموجات أنا.و من خلال هذه الموجات أن الإنس والجن والنبات والجماد كل ذلك
يتحدث الواحد مع الآخر ويقوم بتبادل الآراء فيما بينهم. إن وسعة الكون تقوم على
الموجات فقد فالمرء يقدر على إدراك ماوراء
الكون بنسبة ما يكون عارفا عن أحوال الموجات.)
وتثبت
الأمثلة المذكورة أعلاه أن الحيوانات لديها العقل والشعور أيضا وقيم قضاء الحياة
فيهم تماثل الحياة الاجتماعية للإنسان إلى حد أكثر. ويمكن لنا أن نقدر العقل
والشعور في الحيوانات من حادثة النملة الصغيرة التي دعت جنود سليمان عليه السلام
إلى الطعام و تكلمت معه.والنملة لها نظام الحياة الاجتماعية الذي يماثل نظام
الحياة الاجتماعية الإنسانية كليا.
وأسرة
النملة تشتمل على آلاف فرد و تكون فيها كل نوع و لون من النمل وتكون ملكة في كل
أسرة يجري أمرها وحكمها على جيمع أفراد الأسرة وكل عضوللأسرة يكون خاضعا لحمكها
وتكون في الأسرة نمل لها مؤهلات متنوعة فمنها المهندسات ومهرة التشجير كما تكون
لها الجنود التي تقاتل عنها عندما تحتاج إلى ذلك بالإضافة إلى أنها مملوئة من
مشاعر الايثار والتضحية على وجه أتم وفيها تكون العلماء الطبيعة كما هي تعرف كيف
يقوم بأداء الواجبات الفرائض التي أسندت إليها من قبل الملكة وأي رئيس لها. والله
هو الذي قد علمها هذه الطرق.
إن
القرآن الكريم و الصحائف الأخرى التي قد قصت علينا قصة سليمان عليه السلام فإنها
ليست لحكاية القصة فقط بل إنما ذلك لتذكيرنا وتشجيعنا ودعوتنا إلى أن نتقدم إلى
جانب الرقي والازدهار والهداية واليقين كما أننا لو نحصل على علم الكتاب السماوي
يمكن لنا أن نسخر الكون كله.
وفي قصة
سليمان عليه السلام يوجد ذكر عقل وفهم طير اسمه "هدهد" وفي جميع الحوادث
التي حدثت مع هد هد من قدومه بتأخير و إخباره عن ملكة سبا وعبادتهم الشمس ثم قيامه
بالذهاب بالرسالة إلى ملكة سبا كل ذلك لايخلو عن الحكمة.
الهدهد
هو طير شهير على جسمه قطر ذات ألوان مختلفة وعلى رأسه تاج بالإضافة أنه يرى الماء
في قعر الأرض رؤيتنا على وجه الأرض وكان هدهد مقررا على بحث الماء في بلاد سليمان
عليه السلام.
ولتوزيع
الطعام بين الجنود كان سليمان عليه السلام يعتني بذبج خمس آلاف ناقة و خمسة آلاف
ثور عشرين ألف شاة كل يوم.
لما أتم
أركان الحج قال النبي سليمان عليه السلام لسادة قومه :
"هذا
هو المكان الذي سوف يولد به النبي الآخر محمد صلى الله عليه وسلم و يكون له رعبه و
هيبته في أبعد المناطق والدول وكان هو يطعي حق الأقارب والأجانب سويا ولايضره لومة
لائم."
سأل
الناس على أي دين كان ذلك النبي؟
قال
سليمان عليه السلام:
"على
الدين الحنيف. و من يجد عصره ويؤمن به
يكون ذا حظ عظيم ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب بأنه يكون سيد الأنبياء وخاتم النبيين
صلى الله عليه وسلم"
ولما
طار هدهد لكي يسبح في الفضاء و يرى ماكان في السماء فارتفع في الهواء بحيث اقترب
من سماء الدنيا و من هناك رأى أن حديقة خضراء تقع على الأرض و جذب جمال الحديقة و
خضرها هدهد إليها حتى هبط إلى الأرض و جلس على أحد أغصان الحديقة وكان هناك هدهد
يمني من قبل جالسا على نفس الغصن فتكلما و تجاذب القول فيما بينهما قال الهدهد
اليمني بهدهد سليمان عليه السلام اسمه يغفور:
"أنا
أحد سكان هذه البلاد، وهذه هي حديقة ملكة بلقيس و هناك أمراء في مملكة بلقيس و
اثناعشر قائد الجيوش في جنودها"
وقال:
يا
صديقي! من أين أتيت؟ تعالى معي إلى قصر الملكة بلقيس لكي ترى شوكته و عظمته"
قال
يغفور:
"صديقي!
أنا موظف في بلاد النبي سليمان عليه السلام و من واجباتي أن أوفر الماء وإذا يجتاج
سليمان إلى ماء فإنه يبحث عني و إذا لايجدني يغضب علي غضبا شديدا"
قال
الهد هد اليمني:
إذا
أخبرت مالكك عن قصر ملكة بلقيس فإنه يفرح بغاية الفرح"
هدهد
اليغفور صاحب الهدهد اليمني لكي يتعرف عن أحوال القصر و غيرها و رجع إلى بلاد
سليمان عليه السلام وقت العصر ولكن فيما بين ذلك أن سليمان عليه السلام كان يجتاج
إلى ماء و تفقد الطير فلم يجده فقال:
"
ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ﴿٢٠﴾ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو
ليأتيني بسلطان مبين ﴿سورة النمل: 20-٢١﴾
أمر
النبي سليمان عليه السلام العقاب الذي كان مراقبا للطيور أن يقدم الهدهد من أي
مكان يجده إلى حضرته فطار العقاب إلى السماء و ارتفع إلى العلا حتى جعلت الدنيا
تبدو كأنها كوب على يد رجل. إذ رأى أن هدهد يأتي من جهة يمن فأراد أن يختلسه و
يبطش في مخالبه فابتهل هدهد إليه وقال "ارحمني يا عقاب ولا تسيئنى"
قال
العقاب:
"ألاتعرف
أن نبي الله عليه السلام قد أقسم على الله تعالى بأن يعذبك عذابا شديدا أو
ليذبحنك"
قال
هدهد:
"أ
قال شيأ أكثر من ذلك أيضا؟"
قال
العقاب:
"نعم!
وقال النبي أنه سيغفر عن خطأه إذا قدم إليه عذارا معقولا عن غيابته"
قال
هدهد:
"الآن
يمكن أن لا أقتل و لا أذبح"
كان
سليمان عليه السلام يعاقب الطيور وفق أحوالها عندما تخطأ و ترتكب جريمة. ويقال إن
العقاب كان على أنواع : أحيانا يلقيها في الشمس و أحيانا يطعيها إلى النمل لكي
تأكلها و أحيانا يحبسها في القفس كما أنه كان يفصل بعض الطيور من قبائلها و
تقاطعها الطيور الأخرى أيضا وإذا تمت مدة العقاب يطلق سراحها.
1- رغم أن
سليمان عليه السلام كان إنسانا يحكم الإنس والجن والطيور المواشي والوحوش.
2- وكان
لايجرأ أحد على العصيان و التمرد وإذا
يقوم أحد بمثل ذلك يعاقب عليه كما كان هدهد قد عوقب عليه.
3- رغم أن
جنوده تشتمل على الإنس والجن والوحوش والطيور ويبلغ عددها مالايحصى أن الله تعالى
يوفر لكل منها الرزق.
4- و من
قصة هدهد نصل إلى نتيجة أن الطيور أيضا لها عقل وشعور وإحساس و يمكن أن نستخدمها
في وسائل الإبلاغ.
5- وتفيد
القصة أنه كان جنا في جنود سليمان عليه السلام يقدر على أن يأتي بعرش ملكة سبا إلى
بيت المقدس في بضع ثواني مع أن بعد ما بين بيت المقدس و دولة سبا كان حوالي 1500
ميلا.
ومما
تفيدنا القصة من الحكم أن الإنسان له قدرة على الحصول على العلم أكثر من الجن لأن
الإنس لديه علم الكتاب فإن إنسانا كان له علم الكتاب قد أتى بعرش ملكة سبا إلى
بلاط سليمان عليه السلام و قد أوضح الله تعالى أن الكتب السماوية قد أودع الله
فيها علوما ومعارف إذا يستخدمها الإنسان و يستفيد منها يأتي بالعجائب والغرائب و
يمكن له أن يتصرف في الكون و يسخر الزمان والمكان كما أنه يستطيع أن ينفي الوقت و
ينكمش الفضاء بحكمه.
وإنه من
خطأ الإنسان الفاحش أن يرى أنه لايقدر على الحصول على هذه العلوم لأن الله تعالى
قد جعلها عاما لكل إنسان عندما ذكر ذلك لإنسان في قصة سليمان عليه السلام ولكن
العلم مشروط بالتفكر والسعي المتواصل من قبل العبد.
وليس
هدفنا أن أن نضع من درجات الأنبياء وفضائلهم من خلال قانون مساحة الوقت فإنهم جوهر الجيل البشري و اختارهم الله تعالى
منبعا ومخزنا لجميع العلوم الإنسانية.
ولكن
هدفنا أننا إذا نستخدم هذه العلوم التي قد أودعت في الكتب السماوية فلنقدر على
التصرف فيما وراء هذا العالم المرئي كما أن الله تعالى بين الأصول الأساسية
للاختراعات بذكر قصص داؤود وسليمان عليهما السلام.
"ولقد
آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد للـه الذي فضلنا على كثير من عباده
المؤمنين ﴿النمل:15)"
معنى
كون العلم من الله تعالى أن يكون إما بالرؤية أو بالسماع و بالتخيل بشيء و جميع
الصور تكون علما من الله تعالى. و أوتي النبيون العلم من خلال الوحي كما أن العلم
ربما يكون ملهما من خلال الانكشاف على قلب المرء فإن العالم الطبيعي يقوم باختراع
الطائرة مثلا ليس من عنده بل من أجل علم ألهمه الله تعالى إليه و كشفه على قلبه
وكذلك في جميع الاختراعات التي قام بإيجادها العلماء إنما قد تم اختراعها بسبب
العلم الذي ألهمه الله تعالى لأنه لايمكن لأحد أن يقوم بأي شيء بدون علم من الله
تعالى. وإنه من سنة الله تعالى أن العبد إذا يبذل قصارى جهوده و يواصل الليل
بالنهار والنهار بالليل في الحصول على شيء فإن الله تعالى يجعل الحصول على ذلك
سهلا له و هذه هي سنة الله تعالى ولن تجد لسنة الله تبديلا.
خواجۃ شمس الدين عظيمي
لقد صدق من قال من كبار الناس إن كل إنسان لابد أن يكون له هدف
لحياته و إلا لايعد من الإنسان مع كونه من ذرية آدم. و مما يجدر بالذكر أن الله
عرف آدم بآدم نفسه و دعاه بكلمة آدم إلى
أن شرفه بعلوم صفاته و أسرار الكون فقال للملائكة بأن يخضعوا لحكمه. وإذا يذكر
الله تعالى التخليق في القراآن يأتي بأنواع من الأمثلة لتوضيح نظام التخليق كما
أنه يقول عن خلق الإنسان:
"ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" (سورة التين )