Topics
لما
هاجر بنوإسرائيل مصر و توطنوا فلسطين قامت دولهم هناك. و انقسمت فلسطين إلى جزئين
و اشتهرت الدولة الجنوبية بدولة يهوداه وسميت الشمالية بدولة إسرائيل و بقيت دولة
إسرائيل لمدة 220 سنة و حكمها 30 ملكا خلال تلك المدة المديدة.
كان
اليسع عيله السلام وقورا و رائعا و وجيها. و يلبس لباسا فاخرا و كان شعره مزينا و
مقطوعا و كان يأخذ بيده العصا عامة ، ومما كان يمتاز به سذاجة طبعه و استغنائه
ويعيش على الزراعة و يحرث الأرض نهارا و يشتغل بعبادة ربه ليلا.
أُكرم
اليسع بالنبوة بعد أن رحل إلياس عليه السلام إلى الرفيق الأعلى و التحق بجواره.
يروى
أن إلياس كان يعود إلى دمشق بعد أن تمت عبادته في إحد الكهوف حتى لقي اليسع في حقل
ايبل محوله و ألقى على كواهله المسؤوليات فترك جميع نشاطاته في قريته و صحبه و مكث
معه سبع سنين ثم رجع إلى قريته و اشتغل بتبليغ الدين و دعوة الناس إلى التوحيد
الإلهي و يجول في البلدان و القرى لنيل هذا الهدف الأصيل.
قال
الله تعالى:
وإسماعيل
واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ﴿سورة أنعام: ٨٦ ﴾
واذكر
إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار ﴿سورة ص: ٤٨﴾
و
قد ذكرت عدة معجزاته و مبشراته في التوارة في كتاب سلطاين رقم 2 كما يلى:
ذات
يوم اشتكى الناس إليه أن ماء العين قد أصبح مليحا فدعا بماء في كوب مع الملح ألقاه
في العين المالحة و دعا الله تعالى فأصبح الماء حلوا.
مرة
أتت إليه امرأة و قالت إنها أصبحت مدينة بعد أن توفي زوجها و الدائن يريد أن يجعل
بنيها عبيدا.
سألها
اليسع عليه السلام أ في بيتها شيء؟ قالت ليس في بيتها إلا قدح للدهن. فأمرها بأن
تأتي بالأواني العديدة من البيوت المتجاورة و تصب الدهن فيها و إذا تمتلأ الأواني
كلها تبيع الدهن و تؤدي الدين بذلك و تتمتع بما يبقى.
قامت المرأة بما أمرها اليسع عليه السلام
فامتلئت جميع الآواني من البيوت المتجاورة حتى استطاعت أن يفي بدينها ببركة ذلك
العمل.
كانت
امرأة ثرية في قرية شونيم.
بعد
أيام أرسل اليسع خادمه إليها ليدعو بها و لما أتت سألها ما هي أجرتها لخدمة ما
قامت بها له.
قالت
المرأة كل شيء لديها و لكنها عقيمة ليس لها أولاد.
دعا
اليسع عليه السلام لها و قال:
سيكون
لك ولد في فصل الربيع الآتي.
استجاب
الله تعالى دعائه و أنعمها بنعمة الولد و لما بلغ الولد صباه في عمره ذهب إلى
الحقول مع أبيه ليعمل معه فأصابه الصداع أو الدوار في رأسه و كان ذلك شديدا للغاية
حتى ماتت. وضعته المرأة في حجرة كان اليسع يقيم بها و خرجت تبحث عنه حتى لقيته في
كرمل فابتهل إليه و بكت بكاء الثكلى و قالت إن ابنها مات. أعطى أحد أصدقائه عصاه و
أمره بأن يذهب إليه و يمسح بها وجهه فذهب صديقه و امتثل بما أمره و لكن لم يتحرك
الجسم فأتى بنفسه إلى الولد الميت و أعلق عليه باب الحجرة و دعا الله تعالى فتحرك
الجسم و عطس سبع مرات ثم رفع رأسه و جلس حيا.
و
بعد هذه الحادثة ذهب اليسع إلى جلجال التي كانت تعانى من الجفاف حينئذ فقال لصاحبه
أن يطبخ الحلوة لأهل جلجال و بعض الناس قد أتوا بخصراوات من حقولهم كما ألقى فيه
أحد من الناس البقل المر يقال له اندرائين خطأ
فلم يبق الطعام لائقا للأكل فدعا بدقيق و ألقاه في الطعام و قال كلوا الآن
لا يضركم شيأ فأكل الناس الطعام و لم يشعروا بأي سم أو مرارة.
مرة
أتى رجل من بعل سلسيه إليه بأخباز من الشعير و شيء من الحبوب فأمر صاحبه أن يقسم
بين جلسائه و كان الناس كثيرا و الأخباء قلية فسأله صاحبه كيف يمكن له أن يقسم هذا
القدر القليل بين مأة رجل فقال له إنه من أمر الله تعالى "أن يأكل مأة رجل من
هذا القدر القليل و يبقى الطعام." فأكل الناس شبعانين و بقى الطعام أيضا.
كان
نعمان ملك دمشق أصيب بمرض البرص منذ سنوات عديدة. ذكرت ذلك أمة نعمان لييسع عليه
السلام و كان اليسع عليه السلام حينئذ في سامريد فحضره نعمان مع بعض رقفته. أمر
اليسع عليه السلام أن يقول له أن يغتسل في نهر يردن سبع مرات ولكن لم يتيقن بما
قال له اليسع و بدأ يرجع من هناك غضبانا ولكن شاوره بعض رفقته أن يقوم بتجربة ما
قال له نعمان فغاص النهر سبع مرات وخرج منه و قد ذهب برصه و نال شفاء كاملا من
مرضه. فحضر خدمة اليسع عليه السلام ليقدم إليه هدايا و لكنه لم يقبلها و قبل
جيحازي من غير إذنه و لما استفسر عن ذلك فكذب فدعا عليه و على نسله فأصيب بمرض البرص مباشرة.
مرة
استأذن بعض الناس بأن يغادروا إلى يردن لأجل المشاكل السكنية فأذن لهم ولكنهم
أصروا على أن يصحبهم فذهب معهم إلى يردن. بما أنهم احتاجوا إلى بناء البيوت هناك
فذهبوا إلى الغابة لقطع الحطب و سقط فأس أحد في النهر فأخبره بذلك. سأله اليسع أين
سقط الفأس في الماء فأخبر ه بالمكان ، فألقى غصنا من الشجر على ذلك المكان فخرج
الفأس من الماء و أتى على سطحه.
عندما
كان الحرب يجري بين دمشق و إسرائيل كان يخبر ملك إسرائيل عن خطط ملك أرام و تستطيع
الجنود الإسرائيلية أن تنال الفتح بسهولة و لما حدث ذلك مرارا ظن ملك أرام لعل
هناك جاسوس إسرائيلي في جنوده فدعا بأمرائه و رؤسائه و أعرب عن ظنه.
قال
الأمراء و الرؤساء : ليس هناك أي جاسوس في جنودنا ولكن اليسع الذي نبي بنى إسرائيل
يخبرهم بما تخطط أو تقول في خلوتك."
لما
سمع ذلك الملك عزم على قتل اليسع عليه السلام و أرسل إليه جنودا لقتله و حاصرت
الجنود المدينة ليلا و لما أصبح صديق اليسع عليه السلام رأى منظرا مدهشا حوله إنه
رأى أن الجنود الآرامية قد حاصرت المدينة من جوانبها الأربع مستعدة للهجم على
اليسع عليه السلام فحضر اليسع عليه السلام و أخبر بما رأى في الخارج قال له اليسع:
"لاتحزن
لأن من كانوا معنا هم أكثر ممن معهم"
(2- سلاطين)
نطق
بذلك و رفع يده إلى السماء و دعا الله تعالى:
"يا
الله افتح عيناه لكي يرى ما أرى من جنودك السماوية" (2- سلاطين)
استجاب
الله دعائه و انفتحت عيناه الباطنيه و رأى أن جنودا تركب على الفرس و العربات حول
اليسع عليه السلام. و لما تقدمت الجنود الآرامية إليه فقال: " كونوا
عميا" فأصبحت الجنود كلها عميا. فقادت الجنود العمياء إلى سامرية و دعا لها
هناك فعادت بصارة الجنود و استأذن ملك إسرائيل للهجم على الجنود الآرامية و لكن
منعه رحمة و كرما على الإنسانية و قال:
"لاتقتلهم
. إن تقتلهم فيصبحوا لك أسرى. و ضع أمامهم الخبز و الماء لكي يأكلوا و يشربوا و
يرجعوا إلى مالكهم."
قام
ملك إسرائيل بما قال له اليسع عليه السلام و أعطاهم الطعام و الشراب و أذن لهم
بالذهاب.
و
بعد هذه الحادثة بأيام ملكا بن هد و أرام جمعا قوتهما العسكرية و حاصرا السامرية و
طالت المحاصرة إلى أن وقع الجفاف في السامرية.
اشتد
الجفاف و ارتفعت الأسعار حتى أصبح ثمن رأس الحمار ثمانين عملة فضية و التجأ الناس
إلى أكل الإنسان نفسه و ذكرت قصة في الباب السادس من كتاب سلاطين رقم 2 كما يلي:
"بينما
كان ملك إسرائيل يذهب للزيارة فاستغاثته امرأة و قالت يا ملك انصرني قال الملك :
"إذا لا ينصرك الله فكيف أنصرك؟"
ثم
سألها الملك مابالها؟ قالت إن هذه المرأة قالت لي أن أعطيها ابني لتأكلها اليوم ،
و عذا ستعطيني ابنها لكي آكلها ، و هي قد طبخت ابني بالأمس و أكلتها ولكن اليوم
حينما سألتها ابنها لكي أكلها أخفيت ابنها و لم تعطها إياي.
و
قد خرق الملك أثوابه عندما سمع القصة و تفكر كيف يمكن أن يأكل الناس بنى آدم و
النبي فينا فاشتد غضبه و قال:
"ليس
أحد أسوأ مني لو بقي رأس ابن ساقط "اليسع" على كتفيه اليوم"
(سلاطين
2)
و
أرسل الملك رسولا إلى اليسع عليه السلام و كان حينئذ جالسا في ببيته مع رفقته من
الناس. و ما إن وصل الرسول الى البيت إذ قال لجلسائه:
"ألم
تروا أن ابن القاتل ذلك قد أرسل أحدا إلي ليقتلني فإذا أتى الرسول أغلقوا عليه
الباب و خذوه بقوة من الداخل ، أليس ورائه صوت قدمي مالكه؟"
هذا
، و قد وصل الرسول إليه فقال له اليسع عليه السلام اسمع قول الله تعالى فإنه يقول
" غدا سوف يباع الدقيق مكيالا واحدا
بمثقال و العشير مكيالين بمثقال واحد بباب السامرية في هذا الوقت
نفسه"
لم
يتيقن الرسول بقول اليسع و قال من غير يقين:
"إن
ينصب الله تعالى النوافذ في السماء لايتم ما قلت الآن."
قال
اليسع عليه السلام: "اسمع ! أنت سوف ترى بعينيك و لكن لاتستطيع الأكل منه
شيأ"
هذا
، و في جانب آخر أسمع الله الجنود الآرامية صوت جنود عظيمة تأتي لاستيصالها و ظنت
الجنود أن الجنود الحتية و المصرية قد أتت لنصر الجنود الإسرائيلية ففرت الجنود
الآرامية من ميدان الحرب. و مر أربعة جزاميين بميدان الحرب فدخلوا و أكلوا شبعا ثم
أخبرو الملك الإسرائيلي بذلك ولما تيقن الملك بذلك نصب الرسول الذي أرسله إلى
اليسع عليه السلام على الباب محافظا و أعلن أن يصل الناس إلى ميدان الحرب للجنود
الآرامية صفا و لكن كان الناس جائعين و لم يجدوا لقمة أو لقمتين للطعام منذ أيام
لم يبالوا بصفوف و تقدموا مباشرة حتى داسوا الرسول المعين هناك تحت أقدامهم فمات
الرسول و تم صدق ما قال اليسع عليه السلام "أن ترى بعينيك و لكن لاتستطيع
الأكل منه شيأ".
ملك
إسرائيل جيهوش (يوآس) التمس منه سلامة دولته و ملكه والغلبة على أعدائه من
الآراميين. فأمره أن يرمي إلى جهة الشرق و قام بذلك الملك فقال تلك رمية فتحك ثم
أمره أن يرمي إلى جهة الأرض فرمى إليها و لكن امتنع عن الرمي بعد ثلاث مرات فقال
له اليسع عليه السلام:
"كان
ينبغي لك أن ترمي خمس أو ست مرات و لوفعلت كذلك لكنت تسأصل الآرامين من جذورهم
ولكن الآن سوف تهزمهم ثلاث مرات فقط."
رغم
المعجزات الكثيرة التي شاهدها بنوإسرائيل لم يهتدوا ولم يستقيموا على الصراط
المستقيم بل وقد بقي في حياتهم العوج و العصيان و التمرد فدعا الله تعالى أن يقبله
في جوار رحمته و يهبه الحياة الأبدية فاستجاب الله دعائه و انتقل إلى الرفيق
الأعلى و دفن في قرية آبائه أيبل محوله.
إذا
لا يرغب الإنسان في الأمور الحسنة و يعرض عنها إعراضا كاملا يختم الله على قلبه و
سمعه و يلقى على أبصاره غشاوة كثيفة و ذلك لأنه لايؤمن بالله تعالى رغم أنه يشاهد
آياته البينة. و قد حدث كذلك مع قوم اليسع عليه السلام لأنهم لم يؤمنوا بالله
تعالى و استمروا على طغيانهم و تمردهم حتى لجأ النبي الكريم إلى أن يتمنى أن
لايسكن معهم و يرحل إلى ربه الكريم و ذلك حد أعلى للشقاوة التي هي الهدف الأصيل
للشيطان الرجيم و إنه يجري في الإنسان مجرى الدم.
خواجۃ شمس الدين عظيمي
لقد صدق من قال من كبار الناس إن كل إنسان لابد أن يكون له هدف
لحياته و إلا لايعد من الإنسان مع كونه من ذرية آدم. و مما يجدر بالذكر أن الله
عرف آدم بآدم نفسه و دعاه بكلمة آدم إلى
أن شرفه بعلوم صفاته و أسرار الكون فقال للملائكة بأن يخضعوا لحكمه. وإذا يذكر
الله تعالى التخليق في القراآن يأتي بأنواع من الأمثلة لتوضيح نظام التخليق كما
أنه يقول عن خلق الإنسان:
"ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" (سورة التين )