Topics
رأى فرعون ملك مصر في المنام و أخبره
بتعبيره المنجمون بأن دولة مصر يقوم باستيصالها غلام يولد في بني إسرائيل فأمر
فرعون بأن يقتل الأولاد الذكور في بني إسرائيل و قرر لذلك مؤظفين مخصوصين.
كانت شبكة الجواسيس قد أقيمت في مصر عندما
ولد موسى عليه السلام وكان والد موسى عمران و والدته يوكبد و غيرهما من أهل أسرته
في مشكلة كبيرة و حزن عميق تجاه صيانة طفلهم و رضيعهم موسى كما أخفواه لمدة ثلاثة
شهور من فرعون و شرطته ولكن لم تكن وقايته من أعين الجواسيس الملكية ممكنة لهم
أكثر من ذلك فألهم الله تعالى في قلب موسى بأن تصنع صندوقا كالتابوت و تجعله أحمر
اللون و تصع موسى فيه ثم تسلمه إلى تيارماء نهر النيل وكان أخت موسى مقررة على أن
تراقب الصندوق و كان الصندوق مازال يسيل حتى اتجه إلى قصر فرعون و وصل إلى بركة
السباحة حيث كانت الخادمات و الملكة يتمتعن بالسباحة إذ وقع بصر الملكة على
الصندوق فأمر إحدى الخادمات بأن يأتي به ولما فتح الصندوق فإذا هو طفل رضيع جميل
جدا يمتص إبهامه و ما إن رأته الملكة إلا وقد نشأت مشاعر الأمومية في قلبها حتى
احتضنته حبا وكرامة و وأرادت بأن تتبناه. و تشوش أحد من رجال الملك بأنه يمكن أن
يكون سببا لضياع المملكة كما تفكر فرعون نفس ذلك وقال يمكن أنه ولد تكهن به الكهنة
و لكن زوجته المحبوبة أعربت عن رأيها قائلة بأنه يمكن أن يكون قرة لأعيننا أو
نتخذه ولدا لنا و سمته بموسى (و معنى موسى رجل أخرج من الماء).
سلمت الملكة أمور الرضاعة إلى المراضيع
الملكية ولكن لم يرضع الطفل منهن فقالت أخت موسى للملكة بأنها سوف توفر مرضعة جيدة
جدا تقوم بأمور الرضاعة و التربية بأحسن قيام و الاهتمام برعاية الطفل اهتماما
بالغا فقالت الملكة بأن تأتي بها مباشرة لكي يرضع الطفل الرضيع الجائع فذهبت أخت
موسى إلى أمه و دعت أمها إلى البلاط الملكي لدي الملكة ولما أخذت أمها الطفل فجعل
يرصع منها بسهولة للغاية حتى قررت مرضعة ملكية لموسى عليه السلام.
ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه
اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك
إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت
سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى (سورة طه : 37 – 40)
ولما فتئ و ترعرع موسى عليه السلام أصبح
عظيم الجثة و قوي البدن و شجاعا للغاية و كان قد عرف أنه إسرائيلي و ليس من
الأقباط في شيء وكذلك لما أدرك أن بني
إسرائيل يعيشون عيشة الذل والهوان والعبودية و يظلمهم رجال فرعون ظلما كثيرا فجعل
يرحم بني إسرائيل يهتم لهم في أمورهم.
بينما كان موسى عليه السلام يذهب إذ مر
بإسرائيلي كان يسحبه قبطي للعمل الجبري لما رأى الإسرائيلي موسى استغاثه فمنع موسى
المصري و قال إنه ظلم و جبانة ولكن المصري لم يسمعه فوكزه موسى فقضى عليه ولكن ما
أراد قتله و إنما قتل المصري خطأ فتأسف جدا و استغفر الله تعالى :
قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي (سورة
القصص: 16)
فغفر له إنه هو الغفور الرحيم (سورة القصص: 16)
وانتشر خبر القتل في مصر سريعا و بدأت
الشرطة تقوم بأعمال التفتيش عن القاتل و في اليوم التالي حدث مثل ما حدث في اليوم
السابق أن مصريا و إسرائيليا يتنازعان فيما بينهما فاستغاثه الإسرائيلي فتقدم موسى
لكي يبطش بالذي هو عدو لهما و قال للإسرائيلي إنك لغوي مبين تنازع كل يوم ثم
تستغث.
و ما إن سمع ذلك الإسرائيلي إذ خاف خوفا
شديدا وظن أنه سيقتله فصرخ قائلا:
قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا
بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين
(سورة قصص: 19)
و صل الخبر إلى فرعون مباشرة بأن موسى قد
قتل المصري فأمر بالقبض عليه فهاجر موسى إلى مدين (إن مدين هو اسم قبيلة سميت باسم
أحد أبناء إبرايهم "مدين" و كان هذا الولد من بطن زوجته الثلاثة
"قطورة" و كان شعيب عليه أيضا من نفس القبيلة و سميت المنطقة التي كانت
القبيلة عامرة باسم "مدين") مختفيا من أعين الناس و لما وصل موسى إلى
مدين رأى أن الناس و الأنعام قد ازدحموا حول بئر لشرب الماء و البنتان قائمتان بمعزل
من الناس فسألهما موسى لماذا هما قائمتان هنا؟ فأجابتا:
"نحن ضعفاء و هم أقوياء ، يدفعوننا إلى
الخلف و ليس في بيتنا أحد من الرجال إلا أبانا شعيب وهو شيخ كيير ضعيف لا يطيق
المدافعة ولذا ننتظر أن يذهب الجميع ثم نسقى أغنامنا."
لم يصبر موسى عليه السلام على هذا الظلم
فدخل الازدحام مباشرة و وصل إلى البئر و أخذ الدلو الكبير وحيدا و سقى ماشيتهما
الماء فرجعت البنتان مبكرة إلى بيتهما و حكتا ما جرى لأبيهما من تقديم موسى
التعاون والنصر إليهما عند البئر فدعاه شعيب عليه السلام إليه و بعد أن سمع قصته
من البداية إلى النهاية قال:
"اشكر الله فإنك قد نجوت من الظالمين
فلاتخف و لاتحزن و عش هنا بسلامة و عافية"
أثنت إحدى البنتان على شجاعة موسى و كرامته
و أشار على أبيه بأن يستأجره لرعي الماشية و السقاية ، فقبل شعيب عليه السلام
المشورة و قال لموسى:
قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين
على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني
إن شاء اللـه من الصالحين ﴿٢٧﴾
قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي واللـه على ما نقول وكيل.
(سورة القصص: 27-28)
مكث موسى لدى شعيب عليه السلام و بدأ يرعى
أغنامه ولما تمت مدة عشر سنين زوج شعيب عليه السلام ابنته موسى عليه السلام. و ذات
يوم خرج إلى مكان بعيد عندما كان يرعى أغنامه و كان معه أهله و كانت الليلة باردة
جدا و احتاجت زوجته إلى نار بينما كان جبل سينا أمامه و كانت شعلة من النار تلمع
عليها ففهم موسى أنها نار يمكن أن يقتبس منها :
إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست
نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى (سورة طه: 10)
تقدم موسى عليه السلام إلى النار فرأى أن النار
تظهر على الشجر ولكن لاتحرقه و كلما كان يتقدم إليها تتأخر النار و تعبد منه فتحير
موسى و دهش و أراد أن يرجع حتى قربت النار إليه و سمع فيها صوتا يقول:
إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس
طوى ﴿١٢﴾
وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى (سورة طه : 12 – 13)
كان بيد موسى عصا يرعى بها أغنامه فقال له
الله تعالى:
"قال ألقها يا موسى" (سورة طه:
19)
فامتثل بأمر ربه الكريم "فألقاها فإذا
هي حية تسعى (سورة طه: 20)
و قال تعالى:
قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى
(سورة طه : 21)
ثم وهبه الله تعالى معجزة أخرى وقال:
واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير
سوء آية أخرى (سورة طه : 22)
وبعد أن وهبه الله تعالى آيتين قال:
"هاتان آيتان فاذهب بهما إلى فرعون و
قومه و أهدهما"
وصل موسى إلى مصر مع أخيه هارون و دخل بلاط
فرعون و قال:
"بعثنا الله تعالى رسولين إليك فنطالب
منك أمرين : أولهما أن تؤمن بالله تعالى و لا تشرك به أحدا وثانيهما أن تترك الظلم على بنى إسرائيل واجعلهم
أحرارا"
استهزأ فرعون موسى و رسالته و ذكر نعمه عليه
و من عليه إحسانه و افترى عليه بقتل المصري و أهمل رسالته وقال:
"وما رب العالمين" (سورة الشعراء
: 23)
قال موسى عليه السلام:
قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن
كنتم موقنين ﴿٢٤﴾
قال لمن حوله ألا تستمعون ﴿٢٥﴾
قال ربكم ورب آبائكم الأولين (سورة الشعراء : 24 – 25)
رغم تمرد فرعون و جحوده عن الحق مرارا
وكرارا استمر موسى و هاورن في إهدائه إلى الصراط المستقيم ولكنه لم يهتد وقال:
إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون (سورة
الشعراء : 21)
وخاطب القوم يوما قائلا بأنه ربهم الأعلى
وليس أحد ربهم سواه. و مرة سأل موسى أن يظهر معجزة لنبوته إن كان صادقا:
ألقى موسى عصاه على الأرض فأصبحت حية تسعى
ثم أراهم يده البيضاء التي بدأت تتلألأ كالنجم المتلألئ فقال رجال الحاشية :
"هذا ساحر عظيم ، هيا نجمع السحرة من
البلاد كلها و نأتي خلافه فينهزم بلا شك"
أعلن فرعون بأن يأتي السحرة من أنحاء البلاد
كلها و يجتمعوا في البلاد الملكي ولو يهزموا موسى بسحرهم ليجعلهم أقربين و يعطيهم الجوائز القيمة و لذلك
الهدف المنشود زين البلاط تزئينا بالغا و أنيرت القناديل الكثيرة.
وصل السحرة من أنحاء البلاد إلى البلاط
الملكي و استعدوا للمبارزة فقال لهم فرعون بأن يبدؤوا أولا بسحرهم ، فألقوا حبالهم
وعصيهم فصارت ثعابين و جاؤوا بسحر عظيم. وأوحى الله تعالى إلى موسى: "لاتخرف
ولا تحزن"
كما قال الله تعالى في القرآن:
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ
الْأَعْلَى ﴿طه: ٦٨﴾
ثم أمره الله تعالى:
وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا
كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ﴿ سورة طه : ٦٩﴾
تيقن السحرة أن موسى نبي الله تعالى حقا
فآمنوا بالله تعالى و أسلموا ، و ذكر الله تعالى فيما يلي:
فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون
وموسى ﴿ سورة طه : 70﴾
و لما رأى فرعون بأن السحرة قد آمنوا به و
بربه فغضب غضبا شديدا وقال:
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم
الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل
ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ( سورة طه 71)
وقال السحرة :
قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات
والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا (سورة طه : 72)
و قطع فرعون أيدى السحرة المؤمنين أرجلهم و
صلبهم في جذوع النخل. فغضب الرب الجبار و نزل عذابه الشديد عليه و على قومه حتى
سلط عليهم القمل و الذباب في مؤكولاتهم و الحشرات الأرضية في حبوبهم التي أهلكت
وأبادتها و كثرت الضفادع في الماء حتى غطوا الماء و صعب عليهم حصول الماء و
استخدامه للسقي و الشرب كما أرسل عليهم أنواعا من العذاب كما قال تعالى:
وأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل
والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين (سورة أعراف :
133)
أمر الله تعالى موسى عليه السلام بأن يهاجر مع بني
إسرائيل من مصر. فخرج مع هارون و جميع قبائل بني إسرائيل من مصر و تعاقبهم فرعون
بجنوده المجندة و قرب من بني إسرائيل حتى لم يبق بعد طويل بينه و بين موسى و بني
إسرائيل ، وخاف بنو إسرائيل على أنفسهم لأن فرعون كان ورائهم وبحيرة القلزم كانت
أمامهم ولم يبق المفر من الموت أو الأسر والقتل بعد ذلك بيد فرعون و جنوده شرقتلة
فسلى موسى قومه ودعا الله و ابتهل إليه حتى أنزل الله الوحي إليه و قال:
"فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر
فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ﴿ سورة الشعراء: ٦٣﴾
فضرب موسى بعصاه الماء فانفلق إلى جزئين و أصبح كل
فرق كالطود العظيم و ظهر طريق بينهما و جاوز موسى و قومه البحر و تبعه فرعون و
جنوده ولما بلغ وسط البحر اربتط الجزئان من الماء و لما أدركه الغرق قال آمنت
أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (سورة يونس: 90) ولكن
لم يقبل الله دعائه و إيمانه في حالة الغرق و جعل بدنه آية للأجيال القادمة لكي
ترى كيف كان عاقبة المكذبين المتكبرين و منكروا الوحدة الربانية.
قال تعالى:
آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ﴿٩١﴾
فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون
(سورة يونس : 91- 92)
(مومياء الفراعنة موجودة في متحف مصر و عبرة
للزائرين كما أن جثة خرجت من نفس البحر تبقى صحيحة حتى الآن يقال إنها حثة لفرعون
موسى)
وصل موسى مع قومه إلى وادي سينا كان يعبد أهلها
الأصنام ولما رأى بنوإسرائيل المعابد الشامخة نشأت رغبة عبادة الأصنام التي كانت
مخفية في قلوبهم و قالوا لموسى "إجعل لنا إلها كما لهم آلهة لكي نعبده كما
يعبدونها"
قال تعالى:
"وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم
يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم
تجهلون (سورة الأعراف: 138)
قال (موسى) إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم
فيه وباطل ما كانوا يعملون قال أغير
اللـه أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين. سورة الأعراف : 138 – 140)
كان الحر شديدا في وادي سينا فجزع بنو إسرائيل عطشا
و حرا فدعا موسى الله للماء فنزل الوحي و قال له تعالى "اضرب بعاك
الحجر".
قال تعالى:
وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر
فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق
اللـه ولا تعثوا في الأرض مفسدين (سورة البقرة : 60)
وقال تعالى:
وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى
إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل
أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم
وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (سورة الأعراف: 160)
ضرب موسى بعصاك الحجر فانبجست منه عين لكل قبيلة من
اثنتا عشرة قبيلة لبني إسرائيل. وبعد أن حصلوا على الماء سألوه عن الطعام فدعا
الله موسى فنزلت الحلوة "المن" . كما نزل السلوى في جماعة على الأرض
فأخذه بنيى إسرائيل و شووه و أكلوه و كان ذلك يكون كل يوم فيزل المن و السلوى و
يأكل منه بني إسرائيل آمنين مطئنين.
والآن قدم القوم طلبا ثالثا إلى موسى وقالوا إنهم
يشعرون بالحر الشديد و ليس لهم بيوت تظلهم فدعا موسى فأظلهم الله السحاب الذي كان يقيهم من الحر. و لم يكتف
القوم الكفرة على ذلك و جاوزوا الحد و طالبوا الأكثر من استبدال طعام بآخر كما ذكر
ذلك في القرآن الكريم:
"وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد
فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها (سورة البقرة: 60)
حزن
موسى بطلب قومه وقال:
" قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو
خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من
اللـه ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللـه ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما
عصوا وكانوا يعتدون" (سورة البقرة :
60)
كان بنوإسرائيل تحت سيطرة المصريين و لكن أكرمهم
الله الآن بالحرية وكان وعدالله موسى بأنه سوف يعطيه الشريعة إذا أطلق بنوإسرائيل
من سلاسل سيطرة المصريين و قد حان الموعد الآن فقال موسى لهم :
"لاتضلوا ورائي ، و مدة اعتكافي شهر ، و هارون
سيكون معكم و يرشدكم"
كما ذكر القرآن الكريم ذلك فيما يلى:
وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم
ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع
سبيل المفسدين (سورة الأعراف: 143)
وصل موسى عليه السلام إلى جبل طور و اعتكف هناك
أولا ثلاثين يوما و لكن أتمها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلا. فأكرمه الله تعالى
بشرف كلامه معه ولكن رغب موسى في رؤية ربه الكريم و ابتهل إليه أن يشرفه برؤيته
ايضا فقال تعالى:
"لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر
مكانه فسوف تراني ، فلما تجلى ربه للجبل
جعله دكا وخر موسى صعقا (سورة الأعراف: 143) فأحس موسى عليه السلام خطأه واستغفر
الله و تاب إليه و قال إني تبت إليك و أنا أول المسلمين. وبعد ذلك أعطاه الله
تعالى التوراة كما قال تعالى:
قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي
وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة
وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين
(سورة الأعراف: 144 – 145)
ولما مضى أكثر من ثلاثين يوما على ذهاب موسى إلى
جبل طور جزع بنوإسرائيل جزعا شديدا ، وسألهم رجل اسمه سامري أن يأتوا بحليهم ، وهو
سيصنع منها شيأ. أذاب السامري جميع الحلى في النار ثم ألقى فيها قبضة من التراب فأخرج لهم عجلا جسدا
له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى فنسي و ذهب إلى طور للبحث عنه.
ضل بنو إسرائيل مرة أخرى و بدأوا يعبدون الأصنام و
لم يطيعوا نبي الله هارون عليه السلام ولما رجع موسى عليه السلام إلى القوم وجدهم
يعبدون الأوثان فثار غضبه و قال إنكم قد أخلفتم وعدي و ضللتم و اخترتم الوثنية بدل
عبادة الله قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا و ما صنعنا شيأ بأنفسنا فإن هذا هو
السامري الذي أخذ حلينا و جعل هذه المحاكاة و أضلنا" أخذ موسى العجل و نبذه
في النار من جديد و أذابه و قال للسامري: "فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا
مساس وإن لك موعدا لن تخلفه" (سورة طه: 98)
وقال تعالى :
"سيقتل من أشركو بالله تعالى"
......................؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
قال موسى لبني إسرائيل :
"وشكل التوبة أن يقتل الأقرب الأقرب منه
نسبا" فإن الأب يقتل ابنه و الابن يقتل أباه و الأخ يقتل أخاه"
قال تعالى: " فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم
عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم (سورة البقرة :54)
و وخضع بنوا إسرائيل لهذا الحكم و هلك نحو ثلاثة
آلاف إسرائيلي. ثم دعا الله موسى عليه السلام بأن يغفر للقوم فعفا عن القاتلين و
المقتولين جميعا. وقال أن لايشركوا أبدا.
ولما غفر القوم قدم إليهم موسى التوراة ولكنهم لم
يقبلوها كتاب الله تعالى و قالوا لن يؤمنوا حتى يروه بأعينهم.
قال تعالى: "وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى
نرى اللـه جهرة (سورة البقرة: 55)
و لما فشل موسى في إقناعهم اختار سبعين رئيسا من
قومه و ذهب بهم إلى طور وقال لله تعالى:
"إن أكرتموني بالتكلم معك و يسمع هؤلاء
الرؤساء نتوقع أن القوم سوف يؤمنون بك و بكتابك" فكلم الله موسى و سمعه
الرؤساء يتكلم ولكن لما غاب التجلي قال الرؤساء إنهم يريدون أن يروا نفس الرب
بأعينهم.
منعهم موسى عليه السلام ولكنهم أصروا على ماقالوا
من رؤية الرب الكريم حتى نزل عليهم الغضب و حدث الزلزال الشديد و مات الرؤساء
فاستغفر الله موسى نيابة عنهم و أعاد الله تعالى فيهم الروح و رجعوا إلى بني
إسرائيل و صدقوا موسى و كتابه التوراة ولم يكد أن يتيقن القوم على ذلك حتى أتى
بمعجزة آخرى و رفع على رؤوسهم الجبل كالمظلة و أعلن: "إن موسى نبي الله تعالى
الصادق و التوراة كتاب الله الصادق" ولما شاهد بنوإسرائل المعجزة أقروا أن
يقبلوا أحكام التوراة.
كان وادي سينا الذي كان يمكث فيه بنوإسرائيل قريبا
من فلسطين. "و بما كان قد وعد الله إبراهيم و إسحق و يعقوب عليهم السلام بأن
يستعيد أولادهم الأرض المقدسة من جديد." قال الله لموسى عليه السلام :
يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب اللـه لكم ولا
ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ﴿٢١﴾
قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا
منها فإنا داخلون ﴿٢٢﴾
قال رجلان من الذين يخافون أنعم اللـه عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه
فإنكم غالبون وعلى اللـه فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ﴿سورة المائدة: ٢٣﴾
كان بنوإسرائيل مكبلين في قيود العبودية والذل تحت
سيطرة المصريين فخمدت هممهم و فترت عزائمهم و سار في قلوبهم الجبن و الخوف ، ولما
سمعوا عن أهل فلسطين أنهم أقوياء و عماليق جعلوا يقولون:
"قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن
ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون" (سورة المائدة: 22)
و نصحهم موسى عليه السلام بأن:
"الله الذي أكرمهم بالنعم التي لم يكرم بها أي
خلق من خلائق الكون لن يضيعهم و لينصرنهم فليتوكلو عليه"
ولكنهم لم يقنعوا بما نصحهم موسى عليه السلام و
جعلوا يقولون:
"قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا
فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون" (سورة المائدة: 24)
حزن موسى عليه السلام بطغيانهم و تمردهم و إعراضهم
عن الامتثال بأمر الله تعالى و شكى إلى ربه:
"قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق
بيننا وبين القوم الفاسقين ﴿ سورة المائدة :٢٥
﴾
فسلاه تعالى و قال:
"قال فإنها محرمة عليهم (عقابا) أربعين سنة
يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ﴿ سورة المائدة : ٢٦﴾
كان بنوإسرائيل متأثرين بالوثنية عامة و قداسة
البقرة خاصة و لذلك كانوا يمطلون في اختيار الوحدة الإلهية والإيمان بها و نظرا
إلى ذلك أظهر الله تعالى حادثة لهم لكي تتضح حقيقة البقرة و زال حبهم نحوها.
ُقتل رجل من بني إسرائيل فاختلف القوم في تحديد
القاتل و لم يقدروا على تعيينه و رفع الأمر إلى موسى فأناب إلى الله تعالى و قال:
"يا مولاي انصرني إنك أنت العليم الحكيم
فأمرهم بأن يذبحوا بقرة و يمسوا جزأ منها بالمقتول و إذا فعلو كذلك لنعيد الروح في
جسده." و قد أراد الله تعالى أن يشاهد القوم بأن " البقرة التي يقدسونها
و ينزلونها منزلة الخالق المعبود قد ذبحوها بأيديهم و زينو مائدتهم العامرة بلحمها
ولكن لما شاء الله تعالى حي المقتول بمجرد مسه بالمقتول والله هو القادر
المطلق."
ولما نقل موسى إلى بنى إسرائيل ما أمرهم من ذبح
البقرة اتخذوه هزوا و طرحوا عليه أسئلة عديدة و أخيرا اهتدوا إلى البقرة المطلوبة
منكم فذبحوها و ماكادوا يفعلون كما ذكر ذلك القرآن فيما يلي من الآيات:
وإذ قال موسى لقومه إن اللـه يأمركم أن تذبحوا بقرة
قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ باللـه أن أكون من الجاهلين ﴿٦٧﴾
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر
عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون ﴿٦٨﴾
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها
تسر الناظرين ﴿٦٩﴾
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء اللـه
لمهتدون ﴿٧٠﴾
قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها
قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ﴿٧١﴾
وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها واللـه مخرج ما كنتم تكتمون ﴿٧٢﴾
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي اللـه الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون (سورة
البقرة: 67- 73)
و من أهم الحوادث التي حدثت في حياة موسى عليه
السلام هي التي وقعت بين موسى و خضر عليهما السلام ، و روي عن النبي صلى الله عليه
السلام:
عن
أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن موسى هام خطيباً
في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم
إليه، فأوحى إليه: إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يا رب فكيف لي
به؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثمَّ، فأخذ حوتاً
فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا
رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، واتخذ سبيله في
البحر سرباً. وأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ
نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال
موسى لفتاه": "آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا
نَصَباً""قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به،
فقال له فتاه: ""أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي
نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِي إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ
سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً". "قال: فكان للحوت سرباً. ولموسى ولفتاه عجباً. فقال
له موسى""ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا
قَصَصً".
قال:
فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب فسلَّم عليه موسى،
فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى. قال: موسى
بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً "إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً". يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا
تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. فقال موسى: "سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ
اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً". (رواه البخاري)
فقال
له الخضر: "فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى
أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً، فَانطَلَقَا". يمشيان على ساحر البحر، فمرت
بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول فلما ركبا في
السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى:
قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها "لِتُغْرِقَ
أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً، قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي
مِنْ أَمْرِي عُسْراً".
قال:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكانت الأولى من موسى نسياناً. قال: وجاء عصفور فوقع على
حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما
علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر!.
ثم
خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع
الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: "أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً
بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ
لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً". قال: وهذه أشد من الأولى "إِنْ
سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي
عُذْراً".
"فَانطَلَقَا
حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ
يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ". قال:
مائل. فقام الخضر "فَأَقَامَهُ"بيده. فقال موسى: قوم أتيناهم فلم
يطعمونا ولم يضيفونا "قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، قَالَ
هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ". إلى قوله: "ذَلِكَ
تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً". فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما". (رواه البخاري)
و
طبقا لما ذكر القرآن الكريم تأويل الحوادث على لسان خضر عليه السلام كما يلي من الآيات:
(1) أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت
أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ﴿٧٩﴾
(2) وأما الغلام فكان أبواه
مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ﴿٨٠﴾
فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ﴿٨١﴾
(3) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان
تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة
من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ﴿٨٢﴾ (سورة الكهف :
79 – 82)
قد
ذكرت قصة وفاة موسى عليه السلام في صحيحي مسلم و بخاري كما يلى:
قال
البخاري حدثنا يحيى بن موسى ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاووس ، عن
أبيه ، عن أبي هريرة ،
قال : أرسل ملك الموت إلى موسى ، عليه السلام ، فلما جاءه صكه ، فرجع إلى ربه ، عز
وجل ، فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، قال : ارجع إليه ، فقل له يضع يده
على متن ثور ، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة . قال : أي رب ثم ماذا؟ قال : ثم
الموت ، قال : فالآن . قال : فسأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة ، رمية
بحجر ، قال أبو هريرة : فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " : فلو
كنت ثم لأريتكم قبره ، إلى جانب الطريق ، عند الكثيب الأحمر .
انتقل موسى إلى جوار رحمة ربه وكان عمره مأة و
عشرين سنة و مما قد ذكر القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة من فضائله و عدة قصص
حدثت ببني إسرائيل يدل على جلالة شأنه و علو درجته.
قال الله تعالى:
قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي
وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ﴿ سورة الأعراف : ١٤٤ ﴾
ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم
عليك وكلم اللـه موسى تكليما ﴿سورة النساء :١٦٤﴾
ولقد مننا على موسى وهارون ﴿١١٤﴾
ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ﴿١١٥﴾
ونصرناهم فكانوا هم الغالبين ﴿١١٦﴾
وآتيناهما الكتاب المستبين ﴿١١٧﴾
وهديناهما الصراط المستقيم ﴿١١٨﴾
وتركنا عليهما في الآخرين ﴿١١٩﴾
سلام على موسى وهارون ﴿١٢٠﴾
إنا كذلك نجزي المحسنين ﴿١٢١﴾
إنهما من عبادنا المؤمنين ﴿ سورة الصافات 114- ١٢٢﴾
يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى
فبرأه اللـه مما قالوا وكان عند اللـه وجيها ﴿ سورة الأحزاب: ٦٩﴾
قصة موسى و فرعون التأريخية ليست أسطورة من أساطير
الأولين و إنما هي الوقائع الأرضية للصراع بين الحق والباطل و بين الظلم
والعدل كما أنها عبرة لمن كان له قلب ألقى
السمع و هو شهيد فإن قصته ترشدنا إلى ما يلي:
1. ينبغي للإنسان أن لا ينحرف عن جادة الصبر و الرضا
على القضاء لكي يستحق الأجر العظيم
2. يجعل الله مخرجا و منجى من مشاكل الحياة و ضيقها
لمن يتوكل عليه و يؤمن به كاملا
3. يجعل السعي المتواصل لإعلاء كلة الحق الأعداء
أصدقاء حميمين.
4. العبودية هي الذل والهوان للإنسان ، و يحسب العقل
المستعبد النقمة نعمة والإهانة إكراما كما أن العقل العبد يكون محدودا والحق أن
ضيق العقل يسلط الجمود والكسل على المرء.
5. يكرم الله الذين يتوكلون عليه و يبذلون قصارى
جهودهم له بالرقي والازدهار
6. رغم أن الباطل يكون ذا سلطة و قوة كبيرة يفوز الحق
و يظفر
7. الإعراض عن امتثال الأمر الإلهي كفر
8. و ما يدل على أن الإنسان لا يقبل الديانة عن ظهر
قلبه أنه يخدع نفسه و يبحث عن حيل و أعذار لعدم العمل بأوامر الله تعالى و قد عذب
أقوام عديدة عقابا لنفاقهم هذا
9. لا ينبغي لأحد أن يدعي أنه أعلم
قصة موسى و خضر تشير إلى شعتين للعلوم والعرفان:
(1) التشريع
(2) التكوين
إنما وضعت شعبة التشريع لتدوين المجتمع البشري من
الأخلاق و الآداب و حقوق العباد و العدل وما إلى ذلك كما أن شعبة التكوين عبارة عن
(administration system) إدارة
النظام يقوم بها صفوة عباد الله الذين يختارهم للإمارة و السيادة نيابة عنه على
الأرض.
كان قد وهب الله تعالى موسى علوم الشريعة الغراء و
علم خضر علوم و أسرار الكون التي ماكان موسى عارفا عنها و بذلك عرف موسى أن هناك
علم آخر لايعرفه نفسه مع أنه حامل االشريعة المطهرة التي أخذها من الله تعالى
مباشرة.
وكان نبينا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم أعطي
النوعين من علوم التشريع و التكوين. فإن الله تعالى هو رب العالمين يخلق الوسائل
للخلق و يقوم بإدارتها رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه رحمة للعالمين و
جميع مسؤولي التكوين يقوم بمسؤولياتهم تحت رعايته وعنايته.
أعطى الله تعالى موسى معجزتين تدلان على أنه نبي
الله الصادق كان إحدا هما عصاه التي تصير ثعبانا إذا يلقيها على الأرض و أخراها
يده البيضاء التي كان يخرج منها النور الساطع تخطف به الأبصار عندما يضعها تحت
إبطه و يخرجها منه.
كل شيء من الكون ملفوف في غلاف النور الرباني. و غلاف
النور هذا قد أُعد من تيار الموجات المتنورة التي تقوم طولا و عرضا و ترتبط فيما
بينها ارتباطا كليا حتى لا ترى علحدة مع أن كل واحد منها له وجود مستقل كما تقوم
الحياة عليها.
إن الإنسان خلق غلاف نوره قد أعد من تيار الموجات
المركبة و الإنسان الحقيقي منور كمصباح متنور بمأت الآف واط من الكهرباء. يتوقف
الشعور الإنساني عن العمل عندما يراه ولكن الإنسان الروحي يقدر على رؤيته. فإن
موسى عليه السلام كان نبي الله الجليل و عارفا عن روحه حتى إذا كان يضعها تحت إبطه
تشحن بمآت الآف من الكهرباء كانت تخطف بذلك أبصار الناس وكان موسى عليه السلام
أعطي العلوم الروحية أيضا. و العلم هو النور الذي ينتقل مع انتقال الفكر كما أن
العلوم الرحية على نوعين:
1. استدراج
2. العلم الحضوري
الاستدراج هو العلم الذي يُكسَبُ عن طريق المنهج
الفكر الشيطاني و ذلك يحتاج إلى سعي متواصل و عمل مستمر لكن المؤهلات و القوى التي
تبذل في الحصول على الاستدراج تكون دائما تحت الفكر الشيطاني كما أن العلوم
الروحية أيضا تقتضي الكد و الجهد ولكن القوى و المؤهلات التي تسخدم في ذلك دائما
طبق الشريعة الإلهية و تظهر أفعال من حامل العلوم الاستدراجية يعجز الإنسان العادي
عن الاتيان بها كما أن الرجل الصالح تارة يأتي بإتيان شيء لايقدر على ذلك الآخرون.
ذكر القرآن الكريم أعمالا ظهرت عن طريق العلوم
الاستدراجية فإن موسى عليه السلام لما دعا فرعون و قومه إلى الله تعالى و أظهر
معجزاته التي وهبها الله إياه فحسب فرعون و ملأه أنه ساحر عظيم فجمع فرعون السحرة
من البلاد أجمعين و لما اجتمع السحرة قالوا يا موسى:
إما أن تلقي و إما نكون أول من ألقى؟ فقال النبي
الجليل : "ألقوا" "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها
تسعى" وكان موسى عليه السلام نبي الله تعالى ولكن كان بشرا فخاف و دهش فأوحى
إليه الله تعالى:
"لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف
ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى. فألقي السحرة سجدا
قالوا آمنا برب هارون وموسى. (سورة طه :
65 : 69) و بذلك غلب موسى السحرة و خبراء العلوم الاستدراجية و فاز بالظفر.
وللعلم درجتان:
1. أن يكون العلم وسيلة للحصول على العز و الوقار و
المال و ما إلى ذلك من أسباب العيش في الحياة و وسائل الكرامة في الدنيا
2. أن يكون العلم وسيلة للحصول على رضا الرب الكريم و
ليس شيء آخر سوى ذلك
إن العبد
المرسل من الله تعالى ينظر و يسمع عن طريق معرفة ربه الكريم و يبتعد عن الحرص و
الشح والمال ولا يحب أن يكون وقورا عند الناس لعلمه و إنما يفعل لله و يحي لله و
يموت لله فقظ.
و خلاف ذلك أن
أهل الاستدراج دائما يهدفون إلى الحصول على المنافع الدنيوية عن طريق علومهم فإن
فرعون وعد السحرة بأن يكرمهم بالمال و خزائن الأرض و يجعلهم من المقربين لما سألوه
عما يكون لهم إن كانوا غالبين:
قال الله
تعالى:
"لما جاء
السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ﴿٤١﴾
قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين ﴿سورة الشعراء 41- 42 ﴾
يدل ذلك أنه
ليس غرض السحرة إلا المال و الجاه و كل نوع من المنافع الدنيوية عن طريق سحرهم
الذي أتوا به خلاف موسى عليه السلام. ولكن موسى عليه السلام لما أظهر المعجزة التي
وهبها الله أراد تغليب الحق على الباطل و إعلاء كلمة الله تعالى و ليس وراء ذلك أي
نوع من منافع الدنيا. و لذلك قال له الرب الكريم:
"ياموسى
لاتخف" و "ألق عصاك"
يثبت من ذلك
أنه لما أتى السحرة بسحرهم قام موسى خلافهم متوكلا على الله تعالى حتى ابتعلت
العصا جميع عصيهم و حبالهم و ذهب سحرهم أدراج الرياح و لم يلبث ولو لثانية أمام
معجزة موسى فإنه هو الفرق بين الاستدراج و المعجزة أن أثر الاستدراج يكون عارضيا و
لكن المعجزة يبقى أثرها دائما فإن عصا موسى قدبقيت بعد أن ابتلعت حبالهم.
تكشف القصة
المذكوة أعلاه أن المنهج الفكري إذا كان غيرحقيقي يكون عارضيا و إذا كان الفكر
حقيقيا يكون أثره أيضا حقيقيا و لايتغير فإن الحقيقة لا تتغير أبدا.
إن معلم
الاستدراج إذا يعلم تلميذه علوم الاستدراج ينقل فيه منهج فكره فإنه يصبح خليفة له
في الاستدراج ولكن يعرى عن الحقيقة و خلاف ذلك إذا كان أحد يختار فكر الأنبياء و
يحصل على العلوم النبوية فإنه يعرف الحقائق والحقائق لاتفنى و لا تتغير.
لايوجد أي مثال
عبر التأريخ الإنساني أن حامل المنهج الفكري النبوي قد عاد إلى علم الاستدراح ولكن
التأريخ يحتضن مآت الآلاف من الأمثلة التي تفيدنا أن السحرة و حملة علوم الاستدراج
قد عادوا إلى حقيقة الإسلام و صاروا مؤمين صادقين.
قال الله
تعالى:
اللـه نور
السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها
كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو
لم تمسسه نار نور على نور يهدي اللـه لنوره من يشاء ويضرب اللـه الأمثال
للناس واللـه بكل شيء عليم ﴿سورة النور: ٣٥
﴾
والآن بعد الاختراعات الحديثة قد أصبح فهم الأمور العامة والتي تكون ما وراء العقل و
الفهم الإنساني خاصة. والتوراة التي أعطيت موسى كانت مكتوبة على الألواح. ومن
المعلوم أنها توجد في أروبا ماكينة في كل متجر كبير لدفع المبالغ ، تُوجّه
الماكينة إلى العلبة التي يطبع عليها الثمن فيخرج منها النور الأحمر و يقرأ
الأرقام و ينقلها إلى الكمبيوتر مباشرة كما أن ماكينة الفاكس تقرأ التيارات و
الموجات التي تسبح في الفضاء و تنقها إلى الورق من خلال الكمبيوتر، و يرجع فضل
هذا الاختراع إلى بحث يقوم به العقل
الإنساني الذي خلقه الله سبحانه تعالى ثم ألهمه في ذهن العالم. و ليس أي فعل صعبا
على الله تعالى. فأنه قد نقش أحكامه على الألواح ، لا يمكن لنا أن ننظر في الفضاء
ولكن بعد البحث العلمي الذي قام به علماء الطبيعة اخترعوا ماكينة الفاكس و ليس
الفكس إلا ماكينة ننقل الموجات و التيارات التي تسبح في الفضاء إلى الورق من خلال
الكمبيوتر و ذلك مثال الكمبيوتر و التلفزيون و جميع نظم الكون اللاسلكية تجري على
درب التبانة هذا. و إذا نتكلم تصطدم الموجات الصوتية آذاننا فلو لم تكن الموجات أو
الآذان التي تعرضها فلا يمكن لأحد منا أن يسمع صوت الآخر.
قال الله تعالى
عن صنع الكون:
"الله نور
السموات والأرض"
يعني نور الله
تعالى يختفي فيما بين السموات والأرض من جميع الموجودات الحسية و غير الحسية و
يفعل ما يشاء.
المادة
أيضا نور. و كل شيء من السموات و الأرض
صور مختلفة للنور والإنسان و كل خلق للعالم هو ظاهر صورة النور الذي يدعى بالروح و
الروح يلبس لباس الجسم الذي يتقاضاه العالم الذي يذهب إليه الروح لإظهار مؤهلاته و
علومه.
خلق الجسم المادي
من ذرات التراب و طبيعة الذرات الفضاء و تسري أنوار الروح في الفضاء و يصون الجسم
و حالما تخرج الأنوار من الفضاء تنثر ذرات التراب و تصير أنوار الروح حواسا. و
يستخدم الروح ذرات التراب شاشة لعرض أنواره و إذا يتم عمل الروح فلا يقوم بالعرض و
هذه هي مرحلة الموت.
لما أراد الله
تعالى أن يخلق الكون فقال "كن" فأتي بالكون إلى حيز الوجود بمجرد قيامه
بالإرادة. يعني أن الكون هو مظهر عمل الخلق. و يحتوي الخلق على خلق لا يعد ولا
يحصى و كل خلق يحتوي على أفراد لا تحصى و كل فرد يعمل فيه نوعان من الحواس الحاسة
الإنفرادية و الاجتماعية و يُغذى الشعور الانفرادي من قبل الشعور الاجتماعي. و
الدماغ هي ماكينة تتلقى المعلومات من شخص انفرادي و تنقل إلى شخص اجتماعي و تُسمى
هذه العمليات كلها بانتقال الخيال فإن هذه العمليات كلها تجري في كل شيء من الكون
كما أنها تجعل الكون متحركا و نور الخيال
ينتقل إلى دماغ كل فرد من الكون و ينجذب فيه أيضا بالإضافة إلى أنه ينتقل من فرد
إلى فرد آخر. بذلك نحن نعرف خلائق العالم السماوية مع أننا نسكن على الأرض و كلما
يكون متلقى المرء (قوة الراديو) أقوى يقبل المعلومات و يتلقاها أكثر بالنسبة إلى
قوة تلقي المعلومات.
يُدعَى زماننا
بعهد بلغ أوج رقيه و سطوعه و ازدهاره. و الحقيقة أن الاختراعات الحديثة و البحث
العلمي و الدراسة عن المادة تكون باعثا و محركا لارتقاء الوعي. ولكن هنا يطرح السوال أين كانت الاختراعات الإنسانية
قبل وجودها؟ ولو يسلم أن الاختراعات لم تكن موجودة قبل اختراعها و قد اخترع
الإنسان من جديد فكيف فكر الذهن الإنساني في القيام بالبحث و التحقيق؟ والأمر
الواقع أن الخيال هو صيغة البحث والتحقيق. كما أن الشجيرة لاتنبت بدون البذر لا
يصدر أي عمل بدون الخيال الإنساني و كما أن البذر يشتمل على شجر كامل يحتوي الخيال
البحث الكامل وكما أن نقول إن البذر هي نقطة الشجرة يمكن لنا أن نقول إن الخيال هو
نور علم الشيء و ينفذ نور العلم في دماغ كل شيء و فرد من الكون و يسري فيه و تتشكل
الأنوار خيالا في الدماغ و عندما يتشكل الخيال شكلا عمليا فيشعر به العين والحواس.
و من خلال الحواس الظاهرية تنتقل أنوار العلم إلى أحشاء الوعي الإنساني و يستطيع الإنسان أن يأتي بذلك
إلى سطح الوعي الإنساني من إحشاء وعيه. و خلاصة القول أن الموجات تخرج من دماغ
أفراد الكون و تتسلل فيه أيضا و هذه هي حياة الخلق.
إنما يوصف
الإنسان بوصف تلقي الموجات ماوراء العقل و هي تعبث على القيام بالبحث فإن العلوم
والبحوث العلمية محفوظة في مكان ما يسمى بعالم النور. و إذا يصل الفكر الإنساني
إلى هذا العالم يعرف عن حقائق الأشياء و العلوم و يقدر على القيام باختراعات حديثة
ولكن الحصول على مثل هذه العلوم تحتاج إلى مدة لأن العقل قد يتلقى التربية و النمو
في الخيال الذي لا يخالف العقل و الفهم الإنساني فإن شييأ إن كان مخالفا للعقل أو
لا يدركه العقل لايقبله الإنسان المادي. و خلاف ذلك أن الإنسان الروحي بناء على
مشاهدته يدرك أن جميع الكون يعرض عليه. و إذا تُعرض العلوم الروحية عن طريق تقديم المعلوما ت اللاسلكية في عالم
الناسوت (الطبيعة البشرية) فيعرفها الحواس المادية لأن نظرية الحواس أن الارادة
تعمل في العرض. والفرق بين الخلق الرباني و اختراع الإنسان أن الله تعالى يخلق
الأشياء بدون الوسائل و الأسباب و لكن
الإنسان يقوم باختراع شيء استخداما للوسائل و الأسباب التي خلق الله تعالى لذلك. و
إن أنوار اما وراء العقل موجودة في الطبيعة البشرية و اذا يفكر إنسان فيها يقوم
بالاختراع و يرشدنا العلم الحقيقي دائما إلى أن الكون و جميع ما فيه قد خلق من
موجات النور.
و كان قد أعطى
الله تعالى موسى المعجزتين من العصا و اليد البيضاء. و كانت العصا تتصف بأن تغير
ماهيتها بأمر رسول الله فلما كانت الحيات انتشرت في بلاط فرعون الملكي بسحر السحرة
و جعلت تدب على الأرض فألقى موسى عصاه على الأرض بإذن الله فصارت العصا ثعبانا
عظيما و ابتلعت الحيات كلها.
ولكن كيف
ابتلعت؟ فإن عالمنا عالم العناصر و تمتاز أربعة عناصر من بين أكثر من مأة و خمسين
عنصرا اكتشفت حتى اليوم ولكن جميع العناصر
التي اكتشفت هي الدراسة الإضافية نحو العناصر الأربعة من الماء والهواء و التراب
والنار و هذه العناصر الأربعة كانت موجودة في الحيات أيضا يعنى تشترك نفس العناصر
في الحطب و الحية. ولما وضع موسى العصا على الأرض جعلت عناصر الحية تعمل فيها و
صارت العصا ثعبانا ، و نفس ذلك وقع عندما ضرب موسى بعصاك البحر فإن الماء مركب من
الآكسيجن و هائيدروجن ، ولاينبت الشجر بدون الماء ، و الخشب و إن كان يابسا يكون الماء موجودا فيه
و إن قل. ولما ضرب موسى عليه السلام الماء بعصاه تنحى الآكسيجن و هائدروجن من
الأمكنة المطلوبة و تحللا في الفضاء ولما عبر بنو إسرائيل البحر سالمين عاد
الأكسيجن و هائدروجن على مكانهما و صارا ماء. و لكن كيف غاب الآكسيجن و هائدروجن من
مكانهما و ذلك بغلبة عنصر النار في الخشب و الحقيقة أنه لوكان الحديد المحموم
بالنار يلقى في الماء يجف الماء.
و يطرح السوال
من يشك في قدرة الله البالغة كيف قويت إرادة موسى بحد أن الماء غاب من مكانه و صار
طرقا لبني إسرائيل فإن القرآن يرد على ذلك فيما يلي:
(ولقد خلقنا
الإنسان من صلصال) ...و في موضع آخر ..(ونفخت فيه من روحي)
و يشرح القرآن
الروح فيما يلي:
"ويسألونك
عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" (سورة بني
إسرائيل : 85)
و يقول أيضا:
إنما أمره إذا
أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴿ سورة يس:٨٢﴾
الإنسان هو
الفضاء و الروح في الفضاء و هو أمر الرب الكريم و أمره أنه إذا أراد شيأ يقول
"كن" فيكون.
كان موسى عليه
السلام نبي الله الجليل ، و كان له كتاب الله التوراة ، وكان متمعا بقرب الله
تعالى و تكلم معه يعرف صيغ التخليق فإنه لما أصدر الأمر تحت صيغ الخلق أتى الخلق
إلى حيز الوجود.
للنبي له قدرة
للوصول إلى الروح الأعظم حيث يشاهد الأنوار و لذلك أن أجسام الأنبياء و إن كانت
مادية مملوئة بالأنوار ، فإن موسى إذا أراد بإذن الله تعالى كان نور النسمة
المطلقة ينتقل إلى النسمة المفردة و يسري في النسمة المركبة. و مثال ذلك أنه لوكان
مصباح كهربائي ل60 واط في حجرة و ويستبدل بمصباح ل600 واط فتكون الحجرة منورة أكثر
ولكن إذا يستبدل ذلك بمصباح ل6000 واط تتنور الحجرة أكثر من ذلك و يزيغ البصر و
الجدير بالذكر أن تبديل المصباح لم يحتج إلى تبديل أي شيء آخر.
كذكلك كان موسى
إذا أخرج يده من إبطه كان التيار الجاري في يده يزيد الآلاف مرة بمجرد إخراجها من
تحت الإبط كما يتنور المصباح لآلاف واط بمجرد تشغيل الزر. و حيثما تكون المفاصل في
جسم الإنسان يتوقف الدم هناك ثم يتقدم و يجري فيكثر سيلان الطاقة في المفاصل.
و إذا كان موسى
يضع يده تحت إبطه طبقا لصيغ التخليق كان سيلان الطاقة ينتقل إلى ساعده و تتنور
اليد كالشمس المشرقة الساطعة.
خواجۃ شمس الدين عظيمي
لقد صدق من قال من كبار الناس إن كل إنسان لابد أن يكون له هدف
لحياته و إلا لايعد من الإنسان مع كونه من ذرية آدم. و مما يجدر بالذكر أن الله
عرف آدم بآدم نفسه و دعاه بكلمة آدم إلى
أن شرفه بعلوم صفاته و أسرار الكون فقال للملائكة بأن يخضعوا لحكمه. وإذا يذكر
الله تعالى التخليق في القراآن يأتي بأنواع من الأمثلة لتوضيح نظام التخليق كما
أنه يقول عن خلق الإنسان:
"ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" (سورة التين )