Topics
و قد حَسُنَ ما اتخذت المجلة الشهرية
الروحانية من قرار إعادة طبع المقالات الروحانية لكتاب "لوح وقلم". فإن
ذلك حاجة اليوم و إتمام ما يقتضي الوقت الحاضر. و لايخفى على من طالع ذلك الكتاب
بنظر عميق أنه ليس كالكتاب العام الذي يكون على التصوف والروحانية بل هو كتاب ذو
أثر روحاني ساحر يكشف الحجاب عن أسرار و رموز العلوم الطبيعية التي لم يصل إليها
العلوم الطبيعية. و سوف يكون هذا الكتاب الذي ألفه القلندر بابا أولياء رحمه الله
تعالى مشعلا و هاديا للناس إلى يوم القيامة. و يأتي علينا زمان - يختفي الآن عن
أعيننا و لكنه يترعرع في عالم الغيب - حينما يكون الناس يعرفون أسرار و رموز
الكتاب "لوح وقلم" و تحدث ثورة علمية لم ترها الأعين من قبل و لا بعد و
يكون حاملوهذه العلوم السماوية رُوَّاد الثورة العلمية و تملأ هذه القواد العالم
نورا و ضياء و يقومون بإنشاء نظام للعالم يكون فيه الأمن و الأمان و لايسري فيه
خرافات العالم الراهن.
و الزمان الذي نلفظ أنفاسنا فيه مليء بالحرمان
و الفساد و كوائف البلاء و تهجم فيه المادية في جوانبها الأربع على الناس كلهم و
يتقدم إلى الوبار و الانقراض يوما فيوما، كما هو يحتوي على الضوء الساطع للعيون الذي
يمتلك حرارة القلب ولكنه يخلو من لطافة الروح و بصيرة القلب. و كما أن المادية ليس
لها دوام أن البناء الذي يعتمد عليها سوف يؤدي إلى الخراب و الوبار و الانهدام
يوما و هي سنة الله التي لايمكن الفرار منها لأحد أو شيء من الكون.
إن حضرة القلندر بابا أولياء رحمه الله سعد
بعمر لإحدى و ثمانين سنة ، و كان عينه التي كانت عبارة عن البصيرة المؤمنة ، رأى
الثورات المفجعة للزمان الراهن و المادية المترعرعة شاهد بأكمل شهود أن الإنسانية
رغم علومها و كمالها في شتى الفنون تحرم من مكانتها العليا و تصل إلى قعر الذلة
والهوان و يخرب عملاق الاضطراب و النكبة والهوان القلب وراء الزينة و العيش الرغيد
و لا يوجد أي طريق للملجاء و الفرار منه. و كان القلندر بابا أولياء رحمه الله
يذكر هذه الحالة المفجعة بلسانه بكل كرب و أسف و كان يصر بل يجعل نصب أعينه تلقين
الأمة الإسلامية أن تتسلح بأسلحة العلوم والفنون و تبلغ أوج الكمال فيها و لاتألو
جهد في الحصول عليها ولكن لا ينبغي لها أن تجعل هذه الدنيا الفانية و زخرفاتها
هدفا لحياتها و تهتم بالبصيرة القلبية أكثر من البصارة العينية.
كما قال الشاعر الإسلامي العلامة إقبال:
اطلب القلب البصير من الله تعالى
لأن
نور العين ليس بنور القلب
و بالإضافة إلى ذلك أن الإنسان المادي الذي
وصل إلى الترقية و الازدهار و وصل إلى القمر و حصل على أسرار و رموز السماء ولكنه
لم يعرف حول نفسه كما يعبر ذلك الشاعر الإسلامي العلامة إقبال بأحس أسلوب وهو
يقول:
الإنسان الذي كان يسافر في طرق الكواكب
لم يقدر على السفر في طرق عالم أفكاره
والذي وصل إلى أحشاء أفكاره وحكمه
لم يقدر على معرفة ما يضرنفسه و ينفعه
و من سخَّر أشعة الشمس البازغة النيرة
لم يقدر على نشر الضوء في حياته المظلمة
كان وجود القلندر بابا أولياء رحمه الله
الطاهر الزكي رحمة للناس و كان نعمة إلاهية على الأرض ولكننا لم نقدرها حق قدره و
لم نستفض منها حق الاستفاضة. ولو لم يكن الآن القلندر بابا أولياء رحمه الله
موجودا ماديا ولكن أقواله و سيره موجودة فينا و هي ترشدنا إلى الصراط المستقيم و
تنور قلوبنا المظلمة كما يمكن لنا أن نستفيد من هذه الوسائل على قدر ذوقنا و
رغبتنا فيها.
ولا يخفى على أحد أنه قد أحرز كثيرا من
الإنجازات القيمة في العلوم الروحانية ولكن ما يعد منها منارة للنور فيها هي كتابه
الشهير القيم "لوح وقلم". علينا أن نطالع هذا الكتاب بالنظر العميق و
نتبع ما فيها من الأمور بكل معاني الحب والرغبة، إذن سوف نرى التغيرات في قلوبنا و
نشاهد أن الأسرار الكونية قد اتضحت علينا اتضاح الشمس البازغة النيرة في نصف
النهار و نسافر في فضاء الأنوار الإلهية التي لاتنسجم مع ظلمات العالم المادي من
شيء.
بدأ القلندر بابا أولياء رحمه الله يعد مسودة
"لوح وقلم" في 1957 من الميلاد و تم ذلك خلال سنتين على الأقل منجما. و
سعد بكتابته الشيخ خواجه شمس الدين العظيمي من خلال إملاء سطر بعد أخر قام به حضرة
القلندر بابا أولياء رحمه الله. و أخبرني خواجه شمس الدين العظيمي حول خلفيات
الترتيب و التأليف بأن القلندر بابا أولياء رحمه الله حينما كان يسكن في بيته
الواقع في ناظم آباد ، كان المتوسلون والمحبون يأتون إليه رفاتا و وحدانا و
يستفيدون من نصائحه الغالية و أقواله الثمينة و كانت هذه الجلسة تشهد كثيرا من
المواضيع من أسرار و رموز الكون و المشاكل التي يواجهها المتوسلون في حياتهم
الذاتية و الاجتماعية فيقدم البابا جي
رحمه الله حلها بكل بسط و تفصيل في أسلوبه الأنيق.
كما كان القلندر بابا أولياء رحمه يذكر
الإسلام و الأمة الإسلامية و أحوالها المفجعة التي تمر بها الأمة و يعرب عن
أحاسيسه و تأثراته حولها. و لا يخفى على أحد أن مسلمي الشبة القارة الهندية وقعوا
في بحر اليأس بعد انحطاط الدول الإسلامية في جانب و كان غير المسلمين قاموا بجمع
قواتهم العلمية والعملية و بدؤوا بإعداد الوسائل القيمة لمستقبلهم المشرق في جانب
آخر، و من حزن لهذه الأحوال الغير عادية للمسلمين التجأووا إلى زوايا النساك و
الشيوخ و ألقوا الخطة العملية و العلمية وراء ظهورهم. أما عامة الناس فإنهم
اشتغلوا بجمع المال و كسب لقمة العيش و غفلوا عن غيره. و مما زاد الطين بلة أن
الحرب للاسقلال الهند و الرسوب فيها عام 1957 قد أدت إلى تخلف المسلمين و ألقتهم
إلى قعر المذلة حتى لم يجدوا فرصة للتقدم والازدهار إلى أمد بعيد. و ليس هدفي من
خلال هذا التفصيل ببيان الخلفيات و تأريخ استقلال الشبة القارة الهندية والأضاحي
التي ضح بها المسلمون. ولكن الحقيقة التي لا ينكرها أي منكر أن الزوايا الروحانية
هي التي كانت ملجأ للرشد والهداية و لكنها كانت مليئة بالفساد وسوء الانتظام و
احتاجت إلى إصلاحها لأن مآخذها كانت إما أقوال السلف و إرشادتهم التي كانت مليئة
بتعاليم و أحكام الإسلام كما كانت وقائع السيرة أبرز المواضيع فيها. و استمرت هذه
الحالة إلى مأت من السنين و لم يحدث أي تغير و تبدل فيها، أما العلوم الطبيعة التي
فتحت أبواب الرقي والتقدم كانت أبواب الترقية المادية و الازدهار الدنيوي فحسب.
الإسلام نظام كامل و جامع للحياة لذلك لا يمنع
من العلوم المادية والترقية و الرفاهية
المادية. ولكنه يحث على الحصول على الترقية الدنيوية ولكنه ينهى من الاستغراق فيها
و الانغماص بها لأن الحياة الأخروية هي التي آخر منزلهم و الحصول على رضا الله
تعالى هدف حياته وعلى ذلك تبني بنية الفلاح في الدارين.
كان القلندر بابا أولياء رحمه الله تعالى يريد
أن يقدم كتابا يحتوي سائر العلوم الروحانية و الرموز الكونية إلى خلق الله تعالى و
كان يرى أنه بعد أن مضى 1400 سنة منذ أن أنتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى رحمة
الله تعالى ولكن لم يستطع أحد أن يقدم العلوم الماورائية في أسلوب الدروس لكي يحظى
بها كافة الناس و كذلك لا يوجد أي كتاب يحتوي على مثل هذه المسائل و المواضيع و
يسقي العاطش للعلوم الروحانية و يذهب ظمأه الذي لا يجعله هادئا مطمئنا.
و تحت هذه التأثيرات و الأحساسيس قام القلندر
بابا أولياء بإعداد مسودة للكتاب و قرر أنه سوف يملي المواد العلمية والروحانية
على خواجه صأحب مد ظله كل يوم في الثلث الآخر من لحظات الليل لساعة أو ساعتين إلى
أن استعدت الخطة و ابتدأ العمل بذلك أيضا.
والجدير بالذكر أنه إن كان الثلث الآخير من
الليل الذي تقرر أن يقوم فيه الشيخان بإعداد مسودة الكتاب ملائما للنوم و الصحة في
جانب فهو أيضا ملائم للعلوم الروحانية و المناجاة مع الله تعالى و هذه هي اللحظات
التي يقرر فيها الله أمور العباد التي يشهدها المقربون و يؤيدها الملائكة من حاملي عرشه العظيم.
ذكر حضرة القلندربابا أولياء رحمه الله
خواجۃ شمس الدين عظيمي
"أهدي
هذا الكتاب إلى الجيل الجديد الذي سوف يستخدم "نسبة الفيض" لحضرة السيد قلندر
بابا أولياء رحمه الله تعالى و يسعد بالعافية والطمأنينة ويقوم بإبادة ظلال الخوف و
الدهشة التي تتحلق عليه، ثم يدخل الجنة بعد أن يسعد بالحصول على شرفه الأزلي"